للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن ظهر تقصر ذهب به إلى النار، وإلا قيل له: قف! هات الآن شكر كل لقمة، وكل شربة، وكل أكلة، وكل لذة؛ فلا يزال يسأل.

فهذا حال الأغنياء الصالحين المصلحين القائمين بحقوق الله تعالى، أن يطول وقوفهم في العرصات، فكيف حال المفرطين المنهمكين في الحرام والشبهات، المتكاثرين به، المتنعمين بشهواتهم، الذين قيل فيهم: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} (١٠٢ سورة التكاثر، الآية: ١) .

فهذه المطالب الفاسدة هي التي استولت على قلوب الخلق، فسخرتها للشيطان، وجعلتها ضحكة له، فعليه وعلى كل مستمر في عداوة نفسه أن يتعلم علاج هذا المرض الذي حل بالقلوب.

فعلاج مرض القلوب أهم من علاج مرض الأبدان، ولا ينجو إلا من أتى الله بقلب سليم. وله دواءان:

أحدهما: ملازمة ذكر الموت وطول التأمل فيه، مع الاعتبار بخاتمة الملوك وأرباب الدنيا، كيف أنهم جمعوا كثيرا، وبنوا قصورًا، وفرحوا بالدنيا بطرًا أو غرورًا فصارت قصورهم قبورًا، وأصبح جمعهم هباء منثورًا: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً} (٢٣ سورة الأحزاب، الآية: ٣٨) ، {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ} (٣٢ سورة السجدة، الآية: ٢٦) .

فقصورهم وأملاكهم ومساكنهم صوامت ناطقة، تسهد بلسان حالها على غرور عمالها، فانظر الآن في جمعيهم: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً} (١٩ سورة مريم، الآية: ٩٨) .

شِعْرًا: ... إِنَّ الَّذِينَ بَنُو فَطَالَ بُنَاؤُهُمْ ... وَاسْتَمْتَعُوا بِالْمَالِ وَالأَوْلادِ

جَرَتِ الرِّيَاحُ عَلَى مَحَل دِيَارِهِمْ ... فَكَأَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى مِيعَادِ

<<  <  ج: ص:  >  >>