يا رب ارحمه، فإني قد رحمته، فأوحى الله تعالى إليه:«لو دعاني حتى تنقطع قواه ما استجبت له حتى ينظر في حقي عليه» .
فمن أنفع ما للقلب النظر في حق الله على العباد، فإن ذلك يورثه مقت نفسه، والإزراء عليها، ويخلصه من العجب ورؤية العمل ويفتح له باب الخضوع والذل والانكسار بين يدي ربه، واليأس من نفسه.
وإن النجاة لا تحصل له إلا بعفو الله ومغفرته ورحمته، فإن من حقه أن يطاع ولا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر.
فمن نظر في هذا الحق الذي لربه عليه، علم علْم اليقين أنه غير مؤد له كما ينبغي وأنه لا يسعه إلا العفو ومغفرة، وأن إن أحيل على عمله هلك.
فهذا محل أهل المعرفة بالله تعالى وبنفوسهم، وهذا الذي أيأسهم من أنفسهم وعلق رجائهم كله بعفو الله ورحمته.
وإذا تأملت حال أكثر الناس وجدتهم بضد ذلك، ينظرون في حقهم على الله ولا ينظرون في حق الله عليهم.
ومن هنا انقطعوا عن الله وحجبت قلوبهم عن معرفته والشوق إلى لقائه، والتنعم بذكره، وهذا غاية جهل الإنسان بربه وبنفسه.
فمحاسبة النفس هو نظر العبد في حق الله أولاً، ثم نظره هل قام به كما ينبغي ثانيًا.
وأفضل الفكر الفكرُ في ذلك، فإنه يسير القلب إلى الله ويطرحه بين يديه ذليلاً خاضعًا منكسرًا كسرًا فيه جبره، ومفتقرًا فقرًا فيه غناه، وذليلاً ذلاً فيه عزه،