والثاني: جند الشهوات، فزينوها في قلوبهم، وحسنوها في أعينهم وصلوا عليهم بهذين العسكريين، فليس لكم من بني آدم ابلغ منهما، واستعينوا على الغفلة بالشهوات، وعلى الشهوات بالغفلة وأقرنوا بين الغافلين.
ثم استعينوا بهما على الذاكر، ولا يغلب واحد خمسة، فإن مع كل واحد من الغافلين شيطانين صاروا أربعة، وشيطان الذكر معهم، وإذا رأيتم جماعة مجتمعين على ما يضركم_ من ذكر الله أو مذاكرة أمره ونهيه ودينه، ولم تقدروا على تفريقهم- فاستعينوا عليهم ببني جنسهم من الأنس البطالين، فقربوهم منهم، وشوشوا عليهم بهم.
وبالجملة فأعدوا للأمور أقرانها، وادخلوا على كل واحد من بني آدم من باب إرادته وشهوته، فساعدوه عليها، وكونوا أعوانا له على تحصيلها، وإذا كان الله قد أمرهم أن يصيروا لكم ويصابروكم ويرابطوا عليكم الثغور فاصبروا وأنتم صابروا ورابطوا عليهم بالثغور، وانتهزوا فرصكم فيهم عند الشهوة والغضب، فلا تصطادون بني آدم في أعظم من هذين الموطنين.
واعلموا أن منهم من يكون سلطان الشهوة عليه أغلب وسلطان غضبه ضعيف مقهور، فخذوا عليه طريق الشهوة، ودعوا طريق الغضب، ومنهم من يكون سلطان الغضب عليه أغلب، فلا تخلوا طريق الشهوة قلبه، ولا تعطلوا ثغرها، فإن من لم يملك نفسه عند الغضب فإنه بالحري أن لا يملك نفسه عند الشهوة، فزوجوا بين غضبه وشهوته وامزجوا أحدهما بالآخر، وادعوه إلى الشهوة من باب الغضب، والى الغضب من طريق الشهوة.