إلى عسكر الموتى مخيمة بين الخيم مفرقًا من مالك ما اجتمع ومن شملك ما انتظم وليس لك قدرة فتدفعه بكثرة الأموال ولا بقوة الخدم وندمت على التفريط ولات ساعة ندم.
فيا عجبًا لعين تنام وطالبها مجد في طلبها لم ينم، متى تحذر مما توعد وتهدد، ومتى تضرم نار الخوف في قلبك وتتوقد، إلى متى حسناتك تضمحل وسيئاتك تتجدد، وإلى متى لا يهو لك زجرًا الواعظ وإن شدد وإلى متى وأنت بين الفتور والتواني تردد متى تحذر يومًا تنطق فيه الجلود وتشهد ومتى تقبل على ما يبقى وتترك ما يفنى وينفد.
متى تهب بك في بحر الوجد ريح الخوف والرجا متى تكون في الليل قائمًا إذا سجى أين الذين عاملوا مولاهم بالإخلاص وانفردوا وقاموا في الدجى فركعوا وسجدوا وقدموا إلى بابه في الأسحار ووفدوا وصاموا هواجر النهار فصبروا واجتهدوا، لقد ساروا وتخلفت وفاتك ما وجدوا وبقيت في أعقابهم وإن لم تسرع وتجتهد بعدوا.
فتنبه وتيقظ يا مسكين قبل أن يفاجئك هادم اللذات فلا تقدر على استدراك لما فات، قال الله جلا وعلا {وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} .
وَمُسْنَدُونَ تَعَاقَرُوا كَأْسَ الرَّدَى ... وَدَعَا بِشُرْبِهِمْ الْحَمَامُ فَأَسْرَعُوا
بَرَكَ الزَّمَانُ عَلَيْهِمُوا بِجُرَّانِه ... وَهَفَتْ بِهِمْ رِيحُ الْخُطُوبِ الزَّعْزَعُ
خُرْسٌ إِذَا نَادَيْتَ إِلا أَنَّهُمْ ... وَعَظُموا بِمَا يَزعُ اللَّبِيبِ فَأْسَمَعُوا
وَالدَّهْر يَفْتِكُ بِالنُّفُوسِ حَمَامُهُ ... فَلِمَنْ تُعَدُّ كَرِيمةٌ أَوْ تُجْمَعُ
عَجَبًا لَمَنْ يُبْقِي ذَخَائِرَ مَالَهُ ... وَيَظَلُّ يَحْفَظُهُنَّ وَهُوَ مُضَيِّعُ
وَلِغَافِلٍ وَيَرَى بِكُلِّ ثَنِيّةِ ... مُلْقًى لَهُ بَطْنُ الصَّحَائِفِ مَضْجَعُ
أَتَرَاهُ يَحْسُبُ أَنَّهُمْ مَا أَسْأَرُوا ... مِنْ كَأْسِهِ أَضْعَافَ مَا يَتَجَرَّعُ
اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر والعزيمة في الرشد ونسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك ونسألك قلبًا سليمًا ولسانًا صادقًا ونسألك من خير ما تعلم ونعوذ بك من شر ما تعلم،