الماء أرسل إليه الغيوم وسلط عليها الرياح لتسوقها بإذنه إلى أقطار العالم وهي سحب ثقال ثم يرسله على الأرض مدرارًا في وقت الحاجة.
وانظر كيف خلق الله الجبال حافظة للماء تتفجر منها العيون تدريجًا، فلو خرجت دفعة واحدة لغرقت البلاد وهلك الزرع وغيره، وانظر كيف سخر الشمس وخلقها مع بعدها عن الأرض مسخنة لها في وقت دون وقت ليحصل البرد عند الحاجة إليه والحر عند الحاجة إليه، وخلق القمر وجعل من خاصيته الترطيب، فهو ينضج الفواكه بتقدير الحكيم الخبير، وكل كوكب خلق في السماء فهو لنوع فائدة.
ولما كانت كل الأطعمة لا توجد في كل مكان، سخر الله تعالى التجار وسلط عليهم الحرص على جمع المال مع أنه لا يغنيهم في غالب الأمر شيء بل يجمعون الأموال فإما أن تغرق بها السفن أو تنتهبها قطاع الطريق أو يموتون في بعض البلاد فتأخذها السلاطين وأحسن أحوالهم أن يأخذها ورثتهم وهم أشد أعدائهم لو عرفوا.
فانظر كيف سلط الله عليهم الأمل والغفلة حتى يقاسوا الشدائد في طلب الربح في ركوب البحار وركوب الأخطار فيحملون الأطعمة وأنواع الحوائج من أقصى الشرق والغرب إليك فأكثر من حمد الله وشكره.
سَيْرُ الْمَنَايَا إِلَى أَعْمَارِنَا خَبَبٌ ... فَمَا تَبيْنُ ولا يَعْتَاقهَا نَصَبُ
كَيْفَ النَّجَاءُ وَأَيْدِيهَا مُصَمَّمَتٌ ... بِذَبْحِنَا بِمُدًّى لَيْسَتْ لَهَا نُصُبُ
وَهَلْ يُؤْمَلُ نَيْلَ الشَّمْلِ مُلْتَئِمًا ... سَفَرٌ لَهُمْ كُلَّ يَوْمٍ رِحْلَةٌ عَجَبُ
وَمَا إِقَامَتُنَا فِي مَنْزِلٍ هَتَفَتْ ... فِيهِ بِنَا مُذْ سَكَنا رِبْعةُ نُوَبُ
وَآذَنَتْنَا وَقَدْ تَمَّتْ عِمَارَتُهُ ... بِأَنَّهُ عَنْ قَرِيبٍ دَاثِرٌ خَرِبُ
أَزَرْتَ بِنَا هَذِهِ الدُّنْيَا فَمَا أَمَلٌ ... إلا لِرَيْبِ الْمَنَايَا عِنْدَهُ أَرَبُ
هَذَا وَلَيْسَتْ سِهَامُ الْمَوْتِ طَائِشَةٌ ... وَهَلْ تَطِيشُ سِهَامٌ كُلُّهُ نُصُبُ
وَنَحْنُ أَغْرَاضُ أَنْوَاعَ الْبَلاءِ بِهَا ... قَبْلَ الْمَمَاتِ فَمَرْمِيٌّ وَمُرْتَقِبُ
أَيْنَ الَّذِينَ تَنَاهَوْا فِي ابْتِنَائِهِمْ ... صَاحَتْ بِهِمْ نَائِبَاتُ الدَّهْرِ فَانْقَلَبُوا