للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالأخ الشقيق أو العم الشقيق أو نحوهما مَا ينزل من الكوارث ولا أثر لنزولها عند أخيه ولا كَأنَه يرى تلك المصائب الفادحة ولعلك منتظر الجواب مَا هو السبب فِي ذلك فألق سمعك وأحضر قلبك.

فأقول: لكل الناس اليوم شغل واحد هو المال شغلهم عما عداه وأنساهم كل مَا سواه ملأ القلوب حب هذا المال حتى لَمْ يبق فِي القلوب متسع لسواه فمن أجله تستباح الأعراض ومن أجله تراق الدماء ومن أجله يكون الصفا والمعاداة هو القطب الذي تدور حوله أفعال العباد فِي هذا الزمان.

فالقلوب فِي سرور مَا دام المال سالمًا وإن انهار بناء الشرف والدين والنفوس فِي هدوء وطمأنينة مَا ابتعد عن المال فإذا قرب حوله هاجوا هيجان الجمال وهم فِي تواصل مَا لَمْ يتعرض للمال فإذا تعرض له انقطعت الصلات حتى بين الأقربين من آباء وأمهات وأولاد وإخوان.

وهذا من ثمرات البخل قال بعضهم: البخيل يستعجل الفقر الذي هرب مِنْه ويفوته الغنى الذي يطلبه فيعيش فِي الدنيا عيش الفقراء ويحاسب حساب الأغنياء فالبخيل هو الوحيد الذي يستبشر ورثته بمرضه وموته وتجده ليله ونهاره مستغرق فِي جمع المال لا يفتر خوفًا من الفقر وهذا هو الفقر كما قيل:

وَمَنْ يُنْفِقِ السَّاعَاتِ فِي جَمْعِ مَالِهِ ... مَخَافَةَ فَقْرٍ فَالَّذِي فَعَلَ الْفَقْرُ

آخر: ... يُفْنِي الْبَخِيلُ بِجَمْعِ الْمَالِ مُدَّتَهُ ... وَلِلْحَوَادِثِ وَالْوُرَّاثِ مَا يَدَعُ

كَدُودَةِ الْقِزِّ مَا تَبْنِييهِ يَهْدِمُهَا ... وَغَيْرِهَا بِالَّذِي تَبْنِيهِ يَنْتَفِعُ

آخر:

وَذِي حِرْصٍ تَرَاهُ يُلِمُّ وَفْرًا ... لِوَارِثِهِ وَيَدْفَعُ عَنْ حِمَاهُ

كَكَلْبِ الصَّيْدِ يَمْسِكَ وَهُوَ طَاوٍ ... فَرِيسَتَهُ لِيَأْكُلَهَا سِوَاهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>