ومطاعمه، لا يفكر فِي مآله ولا فِي يوم حسابه وكأنه خالد فِي الدنيا لا يموت أبدا، أو كَانَ عنده يقين أنه لا يحاسب على مَا جناه.
ومن العجيب أنه لا يمر يوم بل ولا ساعة إلا وفي ذلك نذير لابن آدم بالرحيل عن هذه الدار، يشاهد الموت يتخطف الناس من حوله فلا يزدجر، وتقوم الحوادث الجسام من حروب تفني آلافًا من البشر وتهدد الأحياء بالالتحاق بمن مات، وبالمجاعات والخراب، فلا يتعظ ولا يعتبر.
ويرى الحرائق مَا بين آونة وآونة تتلف النفوس والأموال والمساكين، وكيف تكون حالة الناس ومطافيهم، فلا يذكر جهنم وأهوالها وأنكالها وما فيها من أنواع العذاب الذي لا تصمد له الجبال الصم الصلاب، قست القلوب، وتحجرت الضمائر {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}{ِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} .
أيها الغافلون، دنياكم دار غرور وهموم وأحزان، وهي بلا شك فانية، وأخراكم دار قرار باقية، وأجهل الناس من باع آخرته بدنياه والتقوى مفتاح السعادتين الدنيوية والأخروية، ضمان ضمنه الله لعباده، ووعد لا يتخلف، قال تعالى:{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} .
أما المعاصي والغفلة والنسيان والطغيان، فليس من ورائها إلا ضنك المعيشة فِي الدنيا بالهموم المبرحة والأحزان المجرحة مع العذاب الأليم فِي الآخرة، قال الله تعالى:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} الآيات.
أيها العاقلون كلكم تعلمون أن الغفلة تنسي العبد ربه وآخرته، ومن نسي ربه أنساه الله نفسه، قال تعالى:{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ} ، فلا تتعرضوا بذلك لسخطه وكونوا دائمًا ذاكرين للآخرة، فإن