للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهم أهم ركن تقوم عليه سعادة المجتمع وينبني عليه أمن الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم، فإذا جار القاضي ولم يقسط اختل الظلم وسادت الفوضى، ولهذا إذا عم العدل استغنت الأمة عن المحاكم وقضاتها ومحاميها والوكلاء والسماسرة، وانقطع دابر شهداء الزور أعدمهم الله عن الوجود أو أصلحهم، فأكثر الحكام وظيفتهم إقامة العدل، فإذا وجد العدل فلا حاجة إليهم، وبذلك يتوفر على الأمة عدد كبير يشتغل فِي مصالح أخرى، ويتوفر مقدار كثير من المال.

ولهذا السلف تمر المدة الكثيرة على القاضي لا يأتيه خصوم، وإليك حكاية حال تاريخية تنطبق تمامًا على المتصفين بالصفات الحميدة والأخلاق الكريمة. عيَّن أبو بكر رضي الله عنه عمر بن الخطاب قاضيًا على المدينة، فمكث عمر سنة لَمْ يختصم إليه اثنان فطلب من أبو بكر إعفاءه من القضاء فقال أبو بكر: أمن مشقة القضاء تطلب الإعفاء يا عمر؟

فقال له عمر: لا يا خليفة رسول الله ولكن لا حجة لي عند قوم مؤمنين عرف كل مِنْهُمْ مَا له من حق فلم يطلب أكثر مِنْه وما عليه من واجب فلم يقصر فِي أدائه، أحب كل مِنْهُمْ لأخيه ما يحب لنفسه وإذا غاب أحدهم تفقدوه وإذا مرض عادوه إذا افتقر أعانوه، وإذا احتاج ساعدوه، وإذا أصيب واسوه، دينهم النصيحة، وخلقهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ففيهم يختصمون إذًا.

وبالتالي فقد عنيت الشريعة بالعدل فِي القضاء عنايتها بكل مَا هو دعامة لسعادة الحياة فأتت بالعظات البالغات تبشر من أقامه بعلو المنزلة وحسن العاقبة، وتحذر من انحراف عنه بالعذاب الأليم.

<<  <  ج: ص:  >  >>