عَبْدِ الْعَزِيزِ كَصَنِيعَهِ فِي عِبَادِكَ فَمَا اسْتَتَمّ الأَعْرَابِيُّ كَلامَهُ حَتَّى ارْتَفَعَ غَيمٌ فَأَمْطَرَ مَطَرًا غَزِيرًا.
وَكَانَ لِعُمَرَ بنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ غُلامٌ وَكَانَ خَازِنًا لِبَيْتِ الْمَالِ وَكَانَ لِعُمَرَ بَنَاتٌ فَجِئْنَهُ يَوْمَ عَرَفَةً وَقُلْنَ لَهُ: غَدًا الْعِيدُ وَنِسَاءُ الرَّعِيَّةَ وَبَنَاتُهُمْ يَلُمْنَنَا وَيَقُلْنَ: أَنْتُنَّ بَنَاتُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ.
وَنَرَاكُنَّ عَرِيَانَاتٍ لا أَقَلَّ مِنْ ثِيَابِ تَلْبَسْنَهَا وَبَكَيْنَ عِنْدَهُ فَضَاقَ صَدْرُ عُمَرَ فَدَعَا غُلامَهُ الْخَازِنَ وَقَالَ لَهُ: أَعْطِنِي مُشَاهَرَتِي لِشَهْرٍ وَاحِدٍ.
وَقَالَ الْخَازِنُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ تَأَخْذُ ُالْمُشَاهَرَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ سَلَفًا أَتَظُنَّ أَنَّ لَكَ عُمْرَ شَهْرٍ فَتَأْخُذُ مُشَاهَرَةَ شَهْرٍ فَتَحَيَّرَ عُمَرُ.
وَقَالَ: نِعَمْ مَا قُلْتَ أَيُّهَا الْغُلامُ بَارَكَ اللهُ فِيكَ. ثُمَّ الْتَفَتَ إِلى بَنَاتِهِ وَقَالَ: أَكْظِمْنَ شَهَوَاتِكُنَّ فَإِنَّ الْجَنَّةَ لا يَدْخُلُهَا أَحَدٌ إِلا بِمَشَقَّةٍ.
سُئِلَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَا كَانَ سَبَبَ تَوْبَتِكَ قَالَ: كُنْتُ أَضْرِبُ يَوْمًا غُلامًا فَقَالَ لِي: اذْكُرْ اللَّيْلَةَ الَّتِي تَكُونُ صَبِيحَتُهَا الْقِيَامَةَ فَعَمِلَ ذَلِكَ الْكَلامُ فِي قَلْبِي.
رَأَى بَعْضُ الأَكَابِر هَارُونَ الرَّشِيدَ فِي عَرَفَات وَهُوَ حَافٍ حَاسِرٌ قَائِمٌ عَلَى الرَّمْضَاءِ الْحَارِةِ.
وَقَدْ رَفَعَ يَدَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: إِلَهِي أَنْتَ أَنْت وَأَنَا أَنَا الذِي دَأْبِي كُلَّ يَوْم أَعُودُ إِلى عِصْيَانِكَ وَدَأْبُكَ أَنْ تَعُودَ إِلَيَّ بِرَحْمَتِكَ.
فَقَالَ بَعْضُ الْكُبَرَاءِ: انْظُرُوا إِلى تَضَرُّعِ جَبَّارِ الأَرْضِ بَيْنَ يَدَيْ جَبَّارِ السَّمَاءِ.
سَأَلَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَوْمًا أَبَا حَازِمٍ الْمَوْعِظَةَ فَقَالَ لَهُ أَبُو حَازِمٍ: إِذَا نِمْتَ فَضِعْ الْمَوْتَ تَحْتَ رَأْسِكَ.
وَكُلُّ مَا أَحْبَبْتَ أَنْ يَأْتِيكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَيْهِ مُصِّرُ فَأَلْزَمْهُ وَكُلُّ مَا لا تُرِيدُ