للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّ الْهَوْلَ شَدِيدٌ، والطَّرِيقَ بَعِيدٌ، وَالْمنَاقِشَ عَتِيدٌ، وَالخطرَ عَظِيمٌ، وَالوَقتَ قَرِيبٌ، وَكأنْ قَدْ كَانَ.

فَتَفَرّغْ وَفَرِّغْ قَلْبِكَ، ثُمَّ الجدَّ الْجدَّ، والوَحَاءَ الوَحَاءَ، وَالهَرَبَ الهَرَبَ، وَارْتَحِلْ إِلى الآخِرَةِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُرْتَحَلَ بِكَ.

وَاسْتَقْبِلْ رُسُلَ رَبِّكَ، وَاشْدُدْ مِئْزَرَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى قَضَاؤُكَ، وَيُحَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ مَا تُرِيد، فَقَدْ وَعَظْتُكَ بِمَا وَعَظْتُ بِهِ نَفْسِي، وَالتَّوْفِيقُ مِن الله.

وَمِفْتَاحُ التَّوفيقِ التَّضرُّعُ والاسْتِكَانَةُ وَالندامةُ عَلَى ما فَرَّطتَ، ولا تُضَيِّعْ حَظَّكَ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ وَاللَّيَالِي الَّتِي هِيَ مَتْجَرُ الزُّهَّاد، وَمَكْسَبُ الْعُبَّادِ.

ثُمَّ إِيَّاَك وَمَا يُفْسِدُ عَلَيْكَ عَمَلَكَ وَهُوَ الرِّيَاءُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رِيَاءٌ فَإِعْجَابُكَ بِنَفْسِكَ.

وَإِيَّاكَ أَنْ تُحِبُّ مَحَامِدَ النَّاسِ أَوْ تَحِبُّ أَنْ يُكْرِمُوكَ بِعَمَلِكَ.

وَيَرَوْنَ لَكَ فَضِيلَةً وَشَرَفًا وَمَنْزِلَةً فِي صُدُروِهِمْ، أَوْ حَاجَةً تَطْلُبُهَا إِلَيْهِمْ فِي أَمْرٍ مِن الأُمُورِ.

فَإِنَّكَ زَعِمْتَ أَنَّكَ تُرِيدُ بِعَمَلِكَ وَجْهَ اللهِ وَالدَّارِ الآَخِرَةَ وَلا تُرِيدُ بِهِ غيرهَ.

وَعَلَيْكَ بِكَثْرَةِ ذِكْرِ الْمَوْتِ، فَكَفَى بِطُولِ الأَمَلِ قِلَّةُ الخَوْفِ، وجرأةٌ على الْمَعَاصِي، وَكَفى بالْحَسْرَةِ وَالنَّدَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّكَ لَمْ تعلم ولم تَعْمَلْ بِعِلْمِكَ.

وَاطْلب الْعِلْمَ لِتَعْمَل بِهِ، وَلا تَطْلُبْه لِتُبَاهِي بِهِ العُلَمَاء، أو لِتُمَارِي به السُّفَهَاءَ، أَوْ تَأْكُلَ بِهِ الأَغْنِيَاءَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>