للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَوَاقِفِ الَّتِي تُزْرِي بِهِ مِنْ أَجْلِ الْحُصُولِ عَلَى وَظِيفَةٍ أَوْ مَالٍ أَوْ جَاهٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَلا يُبَالِي أَنْ يَذِلَّ لِمَنْ دُونَهُ أَوْ يَتَمَلَّقَ لِمَنْ يُهِينُهُ أَوْ يَقِفَ عَلَى بَابِ مَنْ يَسْتَثْقِلُهُ وَيُظْهِرُ الاشْمِئْزَازَ مِنْهُ وَهُوَ لا يُبَالِي بِالإِلْحَاحِ عَلَيْهِ وَالْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْهِ ذَلِيلاً خَاضِعًا وَلا شَكَّ أَنَّ هَذَا صِفَةٌ ذَمِيمَةٌ.

وَمَنْشَأُ التَّوَاضُعِ مِنْ مَعْرِفَةِ الإِنْسَانِ قَدْرَ عَظَمَةِ رَبِّهِ وَمَعْرِفَتِهِ قَدْرَ نَفْسِهِ لأَنَّ مَنْ يُدْرِكُ أَنَّهُ شَخْصٌ ضَعِيفٌ فَانٍ وَأَنَّ كُلَّ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ الْمُوجِبَةِ لِلرَّفْعَةِ وَالْكِبْرَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ لا ثَبَاتَ لَهَا بَلْ هِيَ أَعْرَاضٌ زَائِلَةٌ وَيُدْرِكُ أَنَّ رَبَّهُ هُوَ الْخَالِقُ الْعَظِيمُ الْمُتَفَرِّدُ بِالْبَقَاءِ وَالْكِبْرِيَاءِ، فَهَذَا لا يَتَمَرَّدُ عَلَى خَالِقِهِ بِاقْتِرَافِ الْجَرَائِمِ وَالآثَامِ وَعِنْدَ ذَلِكَ يُعَامِلُ النَّّاسَ مُعَامَلَةٌ حَسَنَةٌ بِلُطْفٍ وَرَحْمَةٍ وَرِفْقٍ وَلِين جَانِبٍ وَلا يَتَكَبَّرُ عَلَى أَحَدٍ وَلا يَزْهُو عَلَى مَخْلُوقٍ وَلا يُبَالي بِمَظَاهِرِ الْعَظَمَةِ الْكَاذِبَةِ وَلا يَتَرَفَّعُ عَنْ مُجَالَسَةِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَشْي مَعَهُمْ وَإِجَابَةِ دَعَوَتِهِمْ وَمُخَاطَبَتِهِمْ بِالْكَلامِ اللَّينِ وَلا يَأْنَفُ مِنْ اسْتِمَاعِ نَصِيحَةِ مَنْ هُوَ دُونَهُ.

وَقَالَ الْفُضَيْلُ بنُ عَيَّاضٍ: التَّوَاضُعُ أَنْ تَخْضَعَ لِلْحَقِّ وَتَنْقَادَ لَهُ وَلَوْ سَمِعْتَهُ مِنْ صَبِي قَبِلْتَهُ مِنْهُ وَلَوْ سَمِعْتَهُ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ قَبِلْتَهُ وَلِلتَّوَاضُعِ فَوَائِدُ وَمَنَافِعُ تَعُودُ عَلَى الأَفْرَادِ وَالْجَمَاعَاتِ بِالْخَيْرِ الْكَثِيرِ فَإِنَّ الْمُتَوَاضِعَ قَرِيبٌ إلى النَّاسِ مُحَبَّبٌ إلى نُفُوسِهِمْ ضِدُّ الْمُتَكَبِّرِ فَإِنَّهُ بَغِيضٌ إِلَيْهِمْ ثَقِيلٌ عِنْدَهُمْ وَكُلَّمَا َدَنا الْمُتَوَاضِعُ مِنَ النَّاسِ ارْتَفَعَتْ مَنْزِلَتُهُ عِنْدَهُمْ وَعَظُمَ فِي عُيُونِهِمْ وَثَقُلَ مِيزَانُهُ عِنْدَهُمْ وَاسْتَفَادَ مِنْهُمْ وَأَفَادَهُمْ.

وَكُلَّمَا كَانَ الْمُتَوَاضِعُ عَظِيمًا ذَا مَكَانَةٍ رَفِيعَةٍ كَانَ التَّوَاضُعُ مِنْهُ أَكْبَرُ أَثَرًا وَأَكْثَرُ فَائِدَةٌ لأَنَّ الأَشْيَاءَ تَعْظُمُ بِنِسْبَةِ مَنْ تَسْتَنَدُ إِلَيْهِ كَمَا قِيلَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>