للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقدارُه خَمسينَ أَلْفَ سَنَةٍ أَحَوج ما يَكونُ إلى الْحَسَناتِ وَغُفْرانِ السَّيْئاتِ تَحقَّقَ أنّه لا يُنْجِيهِ مِنْ هَذِهِ الأخْطارِ إلا اعْتمَادُه على الله وَمَعُونَتِهِ عَلَى مُحَاسَبَةِ نَفْسِهِ وَمُرَاقَبَتِهَا وَمُطَالَبَتِهَا فِي الأنْفَاسِ والْحَرَكَاتِ وَمُحَاسَبَتِهَا في الْخَطَرَاتِ واللَّحَظَاتِ فَمَنْ حَاسَب قَبْل أَنْ يُحَاسَبَ خَفَّ في القيامةِ حِسَابُه وَحَضَر عِندَ السّؤال جوابُه وَحَسُن مُنْقَلبه وَمآبُه.

قَالَ ابنُ القيِّم رَحِمَهُ اللهُ: هَلاكُ الْقَلْبِ مِنْ إِهْمَالِ مُحَاسَبتِهَا وَمنْ مَوَافَقِتَهَا وإتِّبَاع هَواهَا وفي الْحَدِيثِ قَالَ رَسُولِ اللهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الأماني» . دَانَ نَفْسَهُ: أي حَاسَبَها.

وذكر الإمامُ أَحْمَدُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وزنُوهَا قبل أنْ تُوزَنوا، فَإِنَّه أَهونُ عَليكُم في الْحِسَابِ غَدًا أَنْ تُحَاسَبُوا أَنْفُسَكُمْ اليوم، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ يومئذٍ تُعرضونَ لا تَخْفَى مِنْكَمْ خَافِية عَلى اللهِ. وَذَكَر أَيْضًا عَن الْحَسَن لا تَلْقَى الْمُؤمِنَ إلا يُحَاسبُ نَفْسه ماذا أَردْتُ بكَلْمتي ماذا أردُت بِشرْبَتِي؟ والفَاجرُ يَمْضِي قُدُمًا لا يُحاسبُ نَفسُه. وقَالَ قَتادةُ في قَوله تعالى: {وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} ، أَضَاعَ نَفْسَهُ وَغُبِنَ مَعَ ذَلِكَ تَرَاهُ حَافِظًا لِمَا لَهُ مُضِيَّعًا لِدِينِهِ.

وقَالَ الْحَسنُ: إنَّ العبْدَ لا يَزَالُ بَخير مَا كَانَ لَهُ وَاعظٌ مِنْ نَفْسِه وكانَتِ الْمُحاسبةُ مِنْ هِمَّتِهِ، وقَالَ مَيمُونُ بن مُهرانِ: لا يَكونُ الْعَبْدُ تَقَيًّا حَتَّى يَكُونُ لنْفسهِ أَشَدَّ مُحَاسَبةٍ مِنَ الشَّريكِ، وَلِهَذَا قِيلَ: النَّفْسُ كالشَّرِيكِ الْخَوَّانِ إِنْ لَمْ تُحَاسبُه ذَهَبَ بِمَالِكَ، وقَالَ مَيمُونُ أَيْضًا: إِنْ التَقيَّ أَشَدُّ مُحاسبةً لِنَفْسِهِ مِنْ سُلْطَانٍ قَاضٍ وَمِنْ شَرِيكٍ شَحِيحٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>