للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاحْتَرَقَتْ أَجْوَافُهُمْ مِنَ الْجُوعِ انْصُرِفَ بِهِمْ إلى النَّارِ فَسُقُوا مِنْ عَيْنٍ قَدْ آنَ حَرُّهَا وَاشْتَدَّ نَفْحُهَا.

فَلَمَّا بَلَغَ الْمَجْهُودُ مِنْهُمْ مَا لا طَاقَةَ لَهُمْ بِهِ كَلَّمَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي طَلَبِ مَنْ يُكْرُمُ عَلَى مَوْلاهُ أَنْ يَشْفَعَ لَهُمْ فِي الرَّاحَةِ مِنْ مَقَامِهِمْ وَمَوْقِفَهِمْ لِيَنْصَرِفُوا إلى الْجَنَّةِ أَوْ إلى النَّارِ مِنْ وُقُوفِهم فَفَزِعُوا إلى آدَمَ وَنُوحٍ وَمِنْ بَعْدِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى كُلُّهُمْ يَقُولُ: إِنَّ رَبِّي غَضِبَ الْيَوْمِ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ مِثْلَهُ قَبْلَهْ وَلا يَغْضَبُ بَعْدَهْ مِثْلَهْ فَكُلُّهمْ يَذْكُرُ شِدَّةَ غَضَبِ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ وَيُنَادِي بِالشُّغُل بِنَفْسِه فَيَقُولَ نَفْسي نَفْسِي فَيَشْتَغِلُ بِنَفْسِهِ عَنَ الشَّفَاعَةِ لَهُمْ إلى رَبِّهِمْ لاهْتِمَامِهِ بِنَفْسِهِ وَخَلاصِهَا.

وَكَذَلِكَ يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا} فَبَادِرُوا رَحِمَكُمُ اللهْ وَأَنْتُمْ فِي مَكَانِ الإِمْكَانْ، قَبْلَ ضِيقِ الأَوْطَانِ، وَتَقَلُّصِ اللِّسَانَ وَاصْفِرَارِ الْبَنَان، وَالتَّقَلُّبِ مِنْ جِهَةٍ إلى جِهَة مِنْ شِدَّةِ الآلام.

وَرَفْعُ يَدٍ وَوَضْعُ الأُخْرَى مِنْ شَدَّةِ السَّكَرَات، لِجَذْبِ الرُّوحِ مِنْ الْعُرُوقِ وَالْعَصَبِ وَالْعِظَامِ، قَبْلَ شُخُوصِ الْبَصَر، وَبُرُودَةِ الْبَدَنِ، وَنَقْلِهِ لِبَيْتِ الدَّوْدِ وَالظُّلْمَةِ وَالْوَحْشَةِ وَالإِنْفِرَادِ وَسُؤَالِ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ، وَمَا يَعْقُبُه مِنْ كُلِّ أَمْرٍ خَطِيرٍ فِي يَوْمٍ يَشِيبُ مِنْ أَهْوالِهِ الْوِلْدَان.

فَمَا ظَنّكُمْ عِبَادَ اللهِ بِيَوْمٍ بَضَائِعُهُ الأَعْمَالُ، وَشُهُودُهُ الْجُلُودُ وَالأَلْسِنَةً وَالأَوْصَال، وَسِجْنُهُ النَّارُ، وَحَاكِمُهُ الْجَبَّارُ، إِنَّ ذَلِكَ لَيَوْمٌ عَظِيمٌ لا يَعْمَلُ لِحِسَابِهِ إِلا مَنْ وَفَّقَهُ الْحَيُّ الْقَيُّوم لَيْسَ فِيهِ لِلْمُجْرِمِ رَاحَةٌ وَلا نَوْمٌ، فَانْتَبِهُوا رَحِمَكُمْ اللهُ وَتَيَقَّظُوا وَتَزَوَّدُوا فَكَأَنَّكُم بِهِ وَقَدْ أَتَى قَالَ تَعَالى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ} {أَتَى أَمْرُ اللهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ}

<<  <  ج: ص:  >  >>