للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفَّقَهُ اللهُ أَنْ يَنْظُرَ إلى كُلِّ أَمْرٍ مِنْ الأُمُورِ نَظَرًا صَادِقًا وَيُقَدِّرُهُ تَقْدِيرًا صَحِيحًا وَيَزِنُهُ بِمِيزَانٍٍ عَادِلٍ فَلا يَسْتَخِفُّهُ الْغَضَبُ وَالطَّيْشُ فَيَدْفَعُهُ إلى الْمُخَاطَرَةِ وَيَسُوقُهُ إلى مَا لا قِبَلَ لَهُ بِهِ.

فَالْحِلْمُ خَيْرُ وِقَايَةٍ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ وَتَحْفَظُ مِنْ الْوُقُوعِ فِي مَوَاطِنْ الْهَلاكِ

وقَدْ مَثَّلَ الْعُلَمَاءُ لذَلِكَ أََمْثِلَةً مِنْهَا إِذَا كَانَ الْحَاكِمُ حَلِيمًا لا يَسْتَنْفِزُّهُ الْغَضَبُ إلى إِبْرَامِ الأُُمورِ قَبْلَ التَّثَبِّتِ مِنْهَا فَإِنَّهُ يَكُونُ نِعْمَةٌ وَبَرَكَةٌ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى رَعِيَّتِهِ لأَنَّ التَّثَبِّتَ فِي الأُمُورِ قَبْلَ إِبْرَامِهَا يَسْتَلْْزِمُ الْعَدْلَ وَإِعْطَاءَ كُُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ وَجَزَاءَ كُلِّ فَرْدٍ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ وَبِذَلِكَ تَسْتَعِدُ وَتَدُومُ الدَّوْلَةُ بِإِذْنِ اللهِ وَتَرْتَفِعْ مَكَانَتَهُ عِنْدَ اللهِ وعِنْدَ عِبَادِهِ.

الْمِثَالُ الثَّانِي: الزُّعَمَاءُ وَالرُّؤَسَاءُ إِذَا كَانُوا حُلَمَاءَ فَإِنَّهُمْ يَرْفَعُونَ عَنْ أَتْبَاعِهِمْ إِذَا أَرَادَ اللهُ كَثِيرًا مِنْ الأَذَى وَيَدْفَعُونَ عَنْهُمْ شَرَّ التَّنَازُعِ وَالْخُصُومَاتَ مَعَ بَعْضِهِمْ وَمَعَ غَيْرِهِمْ فَإِنَّ الْحَلِيمَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُعَالِجَ الأُمُورَ بِالْهُدُوءِ وَالرِّفْقِ وَالتَّلَطُّفِ وَيُفَكِّرَ فِي الْوَسَائِلِ وَالأَسْبَابِ الَّتِي تُزِيلْ الأَحْقَادَ وَالضَّغَائِنَ وَالْخِصَامَ وَيَكُفُّهُمْ عَنْ الشَّرِّ وَيَأْخُذَ مِنْهُمْ بِحِلْمِهِ وَلِينِهِ مَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَخْذُهُ بِقُوَّتِهِ وَجَاهِهِ فَتَنْحَسِمُ مَادّةُ الشَّرِّ وَيَحِلُّ الْوِئَامُ مَحَلَّ الْخِصَامِ.

وَمِنْ الأَمْثِلَةِ الْقُضَاةُ إِذَا كَانُوا مُتَّصِفِينَ بِالْحِلْمِ فَإِنَّهُمْ بِإِذْنِ اللهِ يَهْتَدُونَ إلى الصَّوَابِ وَيَظْهَرُ لَهُمْ الْحَقُّ لأَنَّ سَعَةً صَدْرِ الْقَاضِي لاسْتِمَاعِ جَمِيعِ مَا َيذْكُرُهُ الْخُصُومُ وَحِلْمُهُ عَلَيْهمْ حَتَّى يُدْلُوا إِلَيْهِ بِكُلِّ حُجَجِهِمْ وَيُبَيِّنُوا لَهُ كُلَّ مَا

<<  <  ج: ص:  >  >>