وعادوه وسعوا في هلاكه وهلاك من تبعه بكل الطرق، كما كَانَ الكفار يفعلون مَعَ الأنبياء وأتباعهم.
والَّذِينَ اتبعوه لم يتبعوه لرغبة ولا لرهبة، فإنه لم يكن عنده مال يعطيهم ولا جهات يوليهم إياها ولا كَانَ له سيف بل كَانَ السيف والجاه والْمَال مَعَ أعدائه، وقَدْ آذوا أتباعه بأنواع الأذي وهم صابرون محتسبون لا يرتدون عن دينهم لما خالطت قُلُوبهمْ حلاوة الإيمان والمعرفة.
وكانت مَكَّة يحجها الْعَرَب من عهد إبراهيم فتجتمَعَ في الموسم قبائل الْعَرَب فيخرج إليهم يبلغهم الرسالة ويدعوهم إلي الله صابراً علي ما يلقاه من تكذيب المكذب وجفاء الجافي وإعراض المعرض إلي أن اجتمَعَ بأَهْل يثرب وكَانُوا جيران اليهود قَدْ سمعوا أخباره مِنْهُمْ وعرفوه.
فَلَمَّا دعاهم علموا أنه النَّبِيّ المنتظر الَّذِي تخبرهم به اليهود وكَانُوا قَدْ سمعوا من أخباره ما عرفوا به مكانته، فإن أمره كَانَ قَدْ انتشر وظهر في بضع عشرة سنة فآمنوا به وتابعوه علي هجرته وهجرة أصحابه إلي بلدهم وعلي الجهاد معه فهاجر هُوَ ومن اتبعه إلي الْمَدِينَة وبها المهاجرون والأنصار لَيْسَ فيهم من آمن برغبة دنيوية ولا برهبة إلا قليلاً من الأنصار أسلموا في الظاهر ثُمَّ حسن إسلام بَعْضهمْ ثُمَّ أذن له في الجهاد ثُمَّ أمر به.
ولم يزل قائماً بأمر الله علي أكمل طريقة وأتمها من الصدق والعدل والوفاء لا يحفظ عَلَيْهِ كذبة واحدة ولا ظلم لأحد ولا غدر بأحد، بل كَانَ أصدق النَّاس وأعدلهم وأبرهم وأوفاهم بالعهد مَعَ اختلاف الأحوال عَلَيْهِ من حرب وسلم وأمن وخوف وغني وفقر وقله وكثرة وظهوره علي الْعَدُوّ