للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلى لَذَّتِهِ وَيَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى تَحْصِيلِ شَهَوَاتِهِ وَهَذَا الرِّيَاء إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ رَجُلٍ قَصُرَ نَظَرَهُ وَرَقَّ دِينُهُ فَإِن هَذَا هُوَ الَّذِي يَتَصَوَّرُ أَنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْهُ يُصَلِّي كَثِيراً أَوْ رَأَوْهُ يُطِيلُ الصَّلاة أَوْ يَصُومُ النَّوَافِلَ أَوْ يَحُجُّ أَوْ يَتَصَدَّقَ أَوْ يَفْعَلُ أَيَّ فَعْلٍ مِنْ أَفْعَالِ الْخَيْرِ يَحْسِنُونَ بِهِ الظَّنَّ وَيُعَامِلُونَهُ مُعَامَلَةً خَاصَّةً تَتْرُكُهُ فِي دُنْيَاهُ فِي سُرُور.

شِعْراً: ... كُنْ بِخُمُولِ النُّفُوسِ قَانِعْ ... لا تَطْلُبْ الذكْرَ فِي الْمَجَامِعْ

فَلَنْ يَزَالَ الْفَتَى بِخَيْرٍ ... مَا لم تُشِر نَحْوَهُ الأصَابِعْ

وَأَمَّا الْعَاقِلُ بَعِيدُ النَّظَرِ صَادِقُ الإيمان فَإِنَّهُ يَعْلم عِلْماً يَقِيناً لا يَشُوبُهُ الظَّنُّ أَنَّ الأمر كُلّهُ دُنْيًا وَأخْرَى للهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ الْعَالم كُلَّهُ أَعْجَزُ مِنْ أَنْ يَدْفَعَ أَجَلاً أَوْ يُكْثِرَ رِزْقاً أَوْ يُجِيرَ مِنْ نَائِبَةٍ تَنْزِلُ عَلَى الإنسان كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ ?: «وَاعْلم أَنَّ الأمَّةَ لَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْء لم يَنْفَعُوكَ إلا بِشَيْء قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْء لم يَضُرُّوكَ إلا بِشَيْء قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ)) . فَإِذَا كَانَ الْخَلْقُ بِهَذَا الضَّعْفِ فَلا يَلْتَفِتُ لِمُرَاآتِهِمْ إلا مَنْ كَانَ سَخِيفَ الْعَقْلِ وَضَعِيفَ الدِّيْن عَلَى أَنَّ رِيَاءَ الْمُرَائِي لا يَخْفِي حَتَّى عَلَى الْخَلْقَ غَالِباً فَإِنَّ حَرَكَاتِهِ لا تَشْتَبِهُ بِأَعْمَالِ الْمُخْلِصِينَ الَّذِينَ قَدْ اسْتَوَتْ ظَوَاهِرُهُمْ وَبَوَاطِنُهُمْ عَلَى السَّوَاءِ.

قَالَ عَلَى كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ: لِلْمُرَائِي ثَلاثُ عَلامَاتٍ أَوْلاً أَنَّهُ يَكْسَلُ إِذَا كَانَ وَحْدَهُ وَيَنْشَطُ إِذَا كَانَ فِي النَّاسِ وَيَزِيدُ فِي الْعَمَل إِذَا أَثْنِيَ عَلَيْهِ النَّاسُ وَيَنْقُصُ إِذَا ذُمَّ وَقَدْ وَرَدَتْ آيَاتُ وَأَحَادِيثُ وَآثَارٌ تَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّيَاءِ وَأَنَّهُ مَمْقُوتٌ مِنْهَا قَوْلُ اللهِ تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} وَقَالَ تعالى: {وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ} .

قَالَ مُجَاهِد: هُمْ أَهْلُ الرِّيَاءِ، وَقَالَ تعالى: {َمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>