للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

.. وَخُشُوعِ الْمَرْءِ فِي ظَاهِرِهِ ... وَهُوَ فِي الْخَلْوَةِ تِنِّينٌ حنِقْ

يَبْلَعُ الْفِيلَ مُسِراً فَإِذَا ... بَلَعَ الذَّرَّةَ فِي الْجَهْرِ اخْتَنَقْ

وِمِنْ أَنْوَاعِ الرِّيَاءِ، الرِّيَاءُ فِي الْفَرَائِضِ الدِّينِيَّةِ لِلْحُصُولِ عَلَى لَذَّةٍ مُبَاحَةٍ.كَأَنْ يَحْتَالَ بِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ عَلَى الْحُصُولِ عَلَى مَالٍ بِطَرِيقِ الْهِبَةِ وَنَحْوِهَا وَلَوْلا هَذَا الْغَرَضَ مَا قَامَ بِأَدَائِهَا وَهَذَا شِرْك بِاللهِ بَلْ فِي الْحَقِيقَة عِبَادَةٌ لِلشَّهْوَةِ لا للهِ وَلَوْ كَانَ عِنْدَ صَاحِبِ هَذَا الْعَمَلِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِن الأدَبِ وَالْحَيَاءِ لَخَجِلَ مِنْ خَالِقِهِ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُخْلِصَ الْعِبَادَةَ لَهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَلَكِنَّهُ بَدَلاً مِنْ ذَلِكَ قَدْ جَعَلَ عِبَادَتَهُ وَسِيلَةً لاقْتِنَاصِ الْمَلاذِ وَالْحُصُولِ عَلَى الشَّهَوَاتِ.

الْقِسْمُ الثَّالِثُ: الْمُرَاؤُونَ بِالنَّوَافِلِ الَّتِي يُؤَدُّونَهَا فِي حَضْرَةِ النَّاسِ وَيَتْرُكُونَهَا إِذَا خَلَوْا أَوْ يَجِيدُونَ الْفَرَائِضَ وَيُطِيلُونَهَا فِي حَضْرَةِ النَّاسِ وَإِذَا انْفَرَدُوا خَفَّفُوا وَهَذَا أَيْضاً قَبِيحٌ وَلَكِنَّهُ دُونَ الأوَّلِ وَوَجْهُ قُبْحِهِ أَنَّ عِبَادَةَ اللهِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ خَالِصَةٌ لَهُ لا يَشُوبِهَا رِيَاءٌ أَبَداً فَمَنْ يُؤَدِّيهَا لَغَرَضٍ مِنْ الأغْرَاضِ فَقَدْ أَشْرَكَ فِيه مَعَ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ غَبِيٌّ مَمْقُوتٌ يَسْتَحِقُّ الذَّمِّ وَالْعِقَابَ إِنْ لم يَتُبْ لأَنَّهُ قَدْ اسْتَهَانِ بِعِبَادَةِ اللهِ وَجَعَلَهَا وَسِيلَةً لِلْحُصُولِ عَلَى الأغْرَاضِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالشَّهَوَاتِ الْجِسْمَانِيَّةِ مَعَ أَنَّ النَّوَافِلَ مَثَلاً لم تُشْرَعْ إلا لِلْحُصُولِ عَلَى الثَّوَابِ الْكَثِيرِ وَالدَّرَجَاتِ الرَّفِيعَةِ عِنْدَ اللهِ تعالى فَانْقَلَبَتْ عَلَى الْمُرَائِي بِهَا شَرّاً وَوَبَإلا بِفِعْلِهَا رِيَاءً وَأَصْبَحَ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا عِقَاباً وَذَلِكَ فَسَادٌ وَخَلَلٌ عَظِيمٌ فَكم مِنْ إِنْسَانٍ يُرَائِي يَتَظَاهَرُ بِالصَّلاحِ وَيَتَبَاعَدُ عن مُحَقِّرَاتِ الذُّنُوبِ وَنَفْسِهِ فَاجِرَةٌ لا يَتَوَرَّعُ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَاسْتِحْلالِهَا بِأَدْنَى الْوَسَائِل وعِنْدَ مُعَامَلَتِهِ فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ اسْتِئْجَارٍ يَظْهَرُ مَخْبَرُهُ عَكْسَ مَنْظَرِهِ عَلَى حَدِّ قَوْلِ الشَّاعِرِ:

مَا فِي الْكَثِيرِينَ إلا الْمَكْرَ وَالْمَلَقُ ... شَوْكٌ إِذَا اخْتُبَرُوا زَهْرٌ إِذَا رَمِقُوا

فَإِنْ دَعَاكَ إِلى قُرْبِ بِِِهِمْ قَدَرٌ ... فَدَارَهِمْ وَاقْتَربْ مِمَّنْ بِهُمْ تَثِقُ

هُمْ أُمُّ غَيْلانَ لا أَصْلٌ وَلا ثَمَرٌ ... وَلا نَسِيمٌ ولا ظِلٌّ وَلا وَرَقُ

جَفُّوا مِنْ اللؤم حَتَّى لَوْ أَصَابَهُمْ ... ضُوءُ السُّهَى فِي ظَلامِ اللَّيْلِ لا احْتَرَقُوا

لَوْ صَافَحُوا الْمُزْنَ مَا ابْتَلَتْ أَنَامِلُهُمْ ... وَلَوْ يَخُوضُونَ بَحْرَ الصِّينِ مَا غَرِقُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>