للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سيما إِذَا صَارَت هيئات راسخة وملكات وصفات ثابتة فإنه لا يستقيم لَهُ معها عمل البتة. ولا تزكو نَفْسهُ مَعَ قيامها بِهَا، وكُلَّما اجتهد فِي الْعَمَل أفسدته عَلَيْهِ هذه الأربعة وكل الآفات متولدة منها وإِذَا استحكمت فِي الْقَلْب أرته الْبَاطِل فِي صورة الحق والحق فِي صورة الْبَاطِل والمعروف فِي صورة الْمُنْكَر والْمُنْكَر فِي صورة المعروف وقربت منه الدُّنْيَا وبعدت منه الآخرة.

وإِذَا تأملت كفر الأمم رأيته ناشيئاً منها وعَلَيْهَا يقع الْعَذَاب وتَكُون خفته وشدته بحسب خفتها وشدتها فمن فتحها عَلَى نَفْسه فتح عَلَيْهِ أبواب الشرور كُلّهَا عاجلاً وآجلاً، ومن أغلقها عن نَفْسه أغلق عنهُ أبواب الشرور، فإنها تمنع الانقياد والإخلاص والتوبة والإنابة وقبول الحق ونصيحة المُسْلِمِيْنَ والتواضع لله ولخلقه.

(ومنشأ هذه الأربعة) : من جهله بربه وجهله بنفسه فإنه لَوْ عرف ربه بصفات الكمال ونعوت الجلال. وعرف نَفْسهُ بالنقائص والآفات، لم يتكبر ولم يغضب لها، ولم يحسد أَحَداً عَلَى ما آتاه الله، فإن الحسد فِي الحَقِيقَة نوع من معاداة الله، فإنه يكره نعمة الله عَلَى عبده، وقَدْ أحبهَا الله ويحب زوالها عنهُ، والله يكره ذَلِكَ، فهو مضاد لله فِي قضائه وقدره ومحبته وكراهته، ولذَلِكَ كَانَ إبلَيْس عدوه حَقِيقَة، لأن ذنبه كَانَ عن كبر وحسد. فقلع هاتين الصفتين بمعرفة الله وتوحيده، والرِّضَا به وعنه، والإنابة إليه وقلع الْغَضَب بمعرفة النفس، وأنها لا تستحق أن يغضب لها، وينتقم لها فإن ذَلِكَ إيثار لها بالرِّضَا والْغَضَب عَلَى خالقها وفاطرها وأعظم ما تدفع به هذه الآفة أن يعودها أن تغضب لَهُ سُبْحَانَهُ وترضي لَهُ فكُلَّما دخلها شَيْء من الْغَضَب والرِّضَا لَهُ خرج منها مقابله من الْغَضَب والرِّضَا لها وَكَذَا بالعكس.

<<  <  ج: ص:  >  >>