الدافع الثاني: العناية فِي إِزَالَة هذه الصفات المذمومة من القُلُوب وقلعها منها فإن الشيطان مثل الكلب فِي التسلط عَلَى الإنسان.
فإِذَا كَانَ الإنسان متصفا بهذه الصفات الذميمة من الْغَضَب والحسد والحرص والطمَع وغيرها كَانَ بمنزلة من يكون بين يديه خبز ولحم فإن الكلب لا محالة يتهور عَلَيْهِ ويتوثب ولا يندفع غالباً إلا بمشقة شديدة، وإن لم يكن متصفاً بِهَا لم يطمَع فِيه لأنه لا داعي لَهُ هنالك ويكون دفعه بأسهل ما يكون وأيسره فإنه يندفع بالنهر والخسا والزجر، فتزال بنقائضها.
فيزال الْغَضَب بالرضاء والسكينة، ويزال الكبر بالتواضع، ويزال الحسد بمعرفة حق المحسود وأن الَّذِي اختص به فضل من الله فلا يمكن دفعه.
ويزال الطمَع بالورع والاكتفاء بما أعطاه الله عَزَّ وَجَلَّ، ويزال الحرص بتحقيق حال الدُّنْيَا وانقطاعها بالموت.
الدافع الثالث: ذكر الله تعالى، وإليه الإشارة بقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ منَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} .
والمعني أنَّهُمْ إِذَا ألمَّ بقُلُوبهمْ شيء من هذه الصفات الذميمة فزعوا إلي ذكر الله تعالى وتذكروه، فعِنْدَ ذَلِكَ يحصل التبصر لهُمْ فِي عواقب أمورهم.
نعم الذكر لا يكون طارداً للشيطان إلا إِذَا كانت القُلُوب معمورة بالخوف والتقوي.
فأما إِذَا كانت خالية عن ذَلِكَ فربما يكون الذكر غَيْرَ مُجْدٍ، ومثال هَذَا من يطمَعَ فِي شرب الدواء قبل الاحتمي والمعدة مشحونة بغليظ الطعام ويطمَع فِي أنه ينفعه كما ينفع الَّذِي يشربه بعد الاحتمي وتخلية المعدة عَن الأطعمة.