أبي عثمان الليثي قال: قال يزيد بن الوليد: يا بني أمية إياكم والغناء، فإنه ينقص الحياء ويزيد في الشهوة، ويهدم المروءة، وأنه لينوب عن الخمر، ويفعل ما يفعل السكر، فإن كنتم ولا بد فاعلون فجنبوه النساء فإن الغناء داعية الزنا. قال: وأخبرني محمد بن الفضل الأزدي قال: نزل الحطيئة برجل من العرب، ومعه ابنته مليكة، فلما جن الليل سمع غناء فقال لصاحب المنزل: كف هذا عني. فقال: وما تكره من ذلك؟ فقال: إن الغناء من رادة الفجور، ولا أحب أن تسمعه هذه، يعني ابنته فإن كففته وإلا خرجت عنك، ثم ذكر عن خالد بن عبد الرحمن، قال: كنا في عسكر سليمان بن عبد الملك، فسمع غناء من الليل، فأرسل إليهم بكرة، فجيء بهم، فقال: إن الفرس ليصهل فتستودق له الرمكة، وإن الفحل ليهدر فتضبع له الناقة، وإن التيس لينب فتستخرم له العنز، وإن الرجل ليتغنى فتشتاق له المرأة، ثم قال: اخصوهم. فقال عمر بن عبد العزيز: هذا مثلة فلا يحل فخلى سبيلهم.
فإذا كان الشاعر المفتوق اللسان، الذي هابت العرب هجاءه، خاف عاقبة الغناء، وأن تصل رقيته إلى حرمته، فما الظن بغيره، ولا ريب أن كل غيور يجنب أهله سماع الغناء، كما يجنبهن أسباب الريب.
ومن طرق أهله إلى سماع رقية الزنا فهو أعلم بالإثم الذي يستحقه، ومن الأمر المعلوم عند القوم أن المرأة إذا استعصت على الرجل اجتهد أن يسمعها صوت الغناء، فحينئذ تعطي الليان، وهذا لأن المرأة سريعة الانفعال للأصوات جدًا، فإذا كان الصوت بالغناء كان انفعالها من وجهين، من جهة الصوت، ومن جهة معناه، ولهذا قال