المرض فاشتد البلاء، وتفاقم الأمر، وامتلأت الدور والطرق والأسواق من المرضى، وقام كل جهول يطب الناس.
وقال: فاعلم أن للغناء خواص لها تأثير في صبغ القلوب بالنفاق ونباته كنبات الزرع بالماء، فمن خواصه أنه يلهي القلب ويصده عن فهم القرآن وتدبره، والعمل بما فيه، فإن القرآن والغناء لا يجتمعان في القلب أبدًا، لما بينهما من التضاد فإن القرآن ينهى عن اتباع الهوى، ويأمر بالعفة ومجانبة شهوات النفس وأسباب الغي، وينهى عن اتباع خطوات الشيطان، والغناء يأمر بضد ذلك كله ويحسنه، ويهيج النفوس إلى شهوات الغي، فيثير كامنها، ويزعج قاطنها، ويحركها إلى كل قبيح ويسوقها إلى وصل كل مليحة ومليح، فهو والخمر رضيعَا لبان وفي تهييجها علي القبائح كفرسَى رهان، فإنه صنو الخمر ورضيعه، ونائبه وحليفه، وحديثه وصديقه، عقد الشيطان بينهما عقد الإخاء الذي لا يفسخ.
وهو جاسوس القلوب، وسارق المروءة، وسوس العقل، يتغلغل في مكامن القلوب، ويطلع على سرائر الأفئدة، ويدب إلى محل التخييل، فيثير ما فيه من الهوى والشهوة والسخافة والرقاعة والرعونة والحماقة، فبينما ترى الرجل وعليه سمة الوقار، وبهاء العقل، وبهجة الأيمان، ووقار الإسلام، وحلاوة القرآن، فإذا سمع الغناء ومال إليه، نقص عقله، وقل حياؤه وذهبت مروءته، وفارقه بهاؤه، وتخلى عنه وقاره، وفرح به شيطانه، وشكا إلى الله إيمانه، وثقل عليه قرآنه، وقال: يا رب لا تجمع بيني وبين قرآن عدوك في صدر واحد.
اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد ونسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك ونسألك قلبا سليمًا ولسانًا صادقًا ونسألك من خير ما