للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذِي سَبَقَ تُؤَكِّد عِبَارَتُهُ: «إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ المُصَوِّرُونَ» ، وَالحَدِيثُ السَّابِقُ أَيْضًا يُفْهِمْكَ أَنَّ الذنبَ كَبِيرٌ جِدًا، وَلِذَلِكَ يُكَلَّفُ فَاعِلُهُ وَهُوَ فِي النَّارِ أَنْ يَنْفُخَ فِيمَا صَوَّرَ الرُّوحَ وَلَيْسَ فِي إِمْكَانِهِ، فَيَسْتَمِرُّ التَّبْكِيتُ وَالتَّعْذِيبُ. كَمَا وَرَدَ فِي خَائِنِ الأَمَانَةِ وَالمُتَحَلِّمِ بِمَا لَمْ يَرَ مِنْ أَنَّهُ يكلف إخراجها بعد سقوطها في النار.

والحَدِيثُ الذي بَعْدَهُ فِيهِ لَعْنُ آكِلِ الرِّبَا وَمُوكِلِهِ، وَالوَاشِمَةِ وَالمُسْتَوْشِمَةِ، وَالمُصَوِّرِ؛ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ التَّصْوِيرِ، وَأَنَّهُ مِنْ الكَبِائِر، لأنَّ اللَّعْنَ لا يَكُونُ إِلا عَلَى كَبِيرَةٍ، وَفِيهِ شِدَّةُ الوَعِيدِ لِلْمُصَوِّرِينَ، لأنَّ اللَّعْنَ هُوَ الطَّرْدُ وَالإِبْعَادُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى، وَفِيهِ أَنَّ التَّحْرِيمَ عَامٌ لِمَا لَهُ ظِلٌ وَلِمَا لا ظِلَّ لَهُ مِنْ صُوَرِ ذَوَاتِ الأَرْوَاحِ.

وَكَذَا حَدِيثُ أَبِي جُحَيْفَةَ فِيهِ لَعْنُ المُصَوِّرِ، وَإِنَّ التَّصْوِيرِ مِنَ الكَبَائِرِ لِلْوَعِيدِ الشَّدِيدِ.

وَحَدِيثُ أُمُّ سَلَمَةَ وَأُمِّ حَبِيبَةَ وَمَا بَعْدَهُ وَاضِحُ المَعْنَى.

قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِي رَحِمَهُ اللهُ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ العُلَمَاء: تَصْوِيرُ صُورَةِ الحَيَوَانِ حَرَامٌ، شَدِيدُ الحُرْمَةِ وَهُوَ مِنَ الكَبَائِرِ، لأنَّهُ مُتَوَعِّدٌ عَلَيْهِ بِهَذَا الوَعِيدِ الشَّدِيدِ، المَذْكُورِ فِي الأَحَادِيثِ، وَسَوَاءٌ صَنَعَهُ بِمَا يُمْتَهَنُ أَوْ بِغَيْرِهِ، فَصَنْعَتُهُ حَرَامٌ بِكُلِّ حَالِّ، لأنَّ فِيهِ مُضَاهَاةٌ بِخَلْقِ اللهِ، وَسَوَاءٌ مَا كَانَ فِي ثَوْبٍ أَوْ بِسَاطٍ، أَوْ دِرْهَمٍ أَوْ دِينَارٍ، أَوْ فِلْسٍ أَوْ إِنَاءٍ، أَوْ حَائِطٍ أَوْ غَيْرِهَا، قَالَ: وَلا فَرْقَ فِي هَذَا كُلِّهِ بَيْنَ مَا لَهُ ظِلٌ وَمَا لا ظِلَّ لَهُ، هَذَا تَلْخِيصُ مَذْهَبِنَا فِي المَسْأَلَةِ، وَبِمَعْنَاهَا قَالَ جَمَاهِيرُ العُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمِنْ بَعْدَهُمْ وَهُوَ مَذْهَبُ الثَّوْرِي، وَمَالِكٍ، وَأِبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>