للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرْ، بِمَا يَفْنِي مِنْ لَذَّة الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَشَهَوَاتِهَا الزَّائِلَةْ، وَتَرْحًلُوا فَقَدْ جَدَّ لَكُمُ الانْتِقَالْ - أَيْ حُثِثْتُمْ وَأُزْعِجْتُمْ إِلَى الرَّحِيلِ - وَاسْتَعِدُّوا فَانْتَبِهُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الدُّنْيَا لَيْسَتْ بِدَارِ إِقَامَةٍ، فَاسْتَبْدِلُوهَا بِدَارِ الآخِرَةِ فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَخْلُقْكُمْ عَبَثًا، وَلَمْ يَتْرُكُكُمْ سُدَى - أَيْ مُهْمَلِين، بِلا رَاعٍ يَزْجُرُكُمْ عَمَّا يَضُرُّكُمْ، وَيَسُوقَكُمُ إِلَى مَا يَنْفَعُكُمْ - وَمَا بَيْنِ أَحَدِكُمْ وَبَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ إِلا المَوْتُ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ، وَإِنَّ غَايةً هِيَ الأَجَلُ، تَنْقُصُهَا اللَّحْظَةُ، وَتَهْدِمُهَا السَّاعَةُ لَجَدِيرَةٌ بِقِصَرِ المُدَّةِ، وَإِنَّ غَائِبًا يَحْدُوهُ الْجَدِيدَانِ اللَّّّيْلِ وَالنَّهَارِ لَحَرِيٌّ بِسُرْعَةِ الأَوْبَةِ، وَإِنَّ قَادِمًا يَقْدُمُ بِالفَوْزِ أَوْ الشَّقْوَةِ لَمُسْتَحِقٌّ لأَفْضَلِ العُدَّةْ فَتَزَوَّدُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا مَا تُحْرَزُونَ بِهِ أَنْفُسَكُم غَدًا، فَاتَّقَى عَبْدٌ رَبَّهُ، نَصَحَ نَفْسَهُ، قَدَّم تَوْبَتَهُ وَغَلَبَ شَهْوَتَهُ، فَإِنَّ أَجَلَهُ مَسْتُورٌ عَنْهُ، وَأَمَلَهُ خَادِعٌ لَهُ، وَالشَّيْطَانُ مُوَكّلٌ بِهِ، يُزَيِّنُ لَهُ المَعْصِيْةَ لِيَرْكَبَهَا وَيُمَنِّيهِ التَّوْبَةَ لَيُسَوِفِهَا حَتَّى تَهْجُمَ مَنِّيَتِهِ عَلَيْهِ، أَغْفَل مَا يَكُونَ عَنْهَا.

... قَلَبَ الزَّمَانُ سَوَادَ رَأْسِكَ أَبْيَضَا ... وَنَعَاكَ شَيْبُكَ كُلُّه فَتَيقَضَا

وَعَرَفْتَ نَفْسَكَ فِي سُكُونِكَ قَاعِدًا ... وَعَرَفْتَ نَفْسَكَ إِذْ هَمَمْتَ لِتَنْهَضَا

فَلَئِنْ عَجِبْتُ لأَعْجَبَنَّ لِغَافِل ... يُمْسِي وَيُصْبِحُ لِلْحَوَادِثِ مُعْرِضًا

آخر: ... جَهُولٌ لَيْسَ تَنْهَاهُ النَّوَاهِي ... وَلا تَلْقَاهُ إِلا وَهُوَ سَاهِي

يُسَرُّ بِيَوْمِهِ لَعِبًا وَلَهْوًا ... وَلا يَدْرِي وَفي َغِده الدَّوَاهِي

مَرَرْتُ بِقَصْرِهِ فَقُلْتُ مَنْ ذَا ... عَجِِيبًا فِيهِ مُزْدَجَرٌ وَنَاهِي

رَأَيْتٌ بِبَابِهِ سُودَ الجَوَارِي ... فَقَالُوا ذَلِكَ المَلِكُ المُبَاهِي

تَبَيَّنْ أَيَّ دَارٍ أَنْتَ فِيهَا ... وَلا تَسْكُنْ إليها وَادْرِ مَا هِي

اللَّهُمَّ اعْصِمْنَا عَنِ المَعَاصِي وَالزَّلاتِ وَوَفِّقْنَا لِلْعَمَلِ بِالبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينََ الأحْيَاءِ منْهُمْ والمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآله وصَحْبِهِ أَجْمَعِين.

<<  <  ج: ص:  >  >>