للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَؤُلاءِ الْوَضِيعُونْ أَنْ يَكُونَ الْمَوْتُ عَادِيَّا، لَيْسَ بِجِنَايَةٍ مِنْ الْوَرَثَةِ، وَلِهَذَا: الشِّرْكَة لا تَدْفَعُ المَبْلَغَ بِمُجَرَّدِ أَنْ يُقَالُ لَهَا: إِنَّهُ مَاتَ، بَلْ لَهَا أَبْحَاثٌ وَمُنَاقَشَاتٌ تَطُولُ وَتَدُق، يَكْتَشِفُونَ بِهَا كَيْفَ مَات، رُبَّمَا يَنْشَأ عَنْ هَذِهِ الفُحُوصِ سَبُّ المَيِّتِ وَلَعْنَهُ وَأَعْمَاله وَمَا أَرَّثَ وَإِنْ قِيلَ لَهُمْ، أَوْ ظَنُّوا أَنَّ الْمَوْتَ يُرَادُ بِهِ الوُصُولُ إِلَى الْمَبْلَغِ الْمَعْلُومِ، فَانْظُرْ كَيْفَ يَعْمَلُونْ. عَافَانَا اللهُ وَإِيَّاكَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ.

وَعِنْدَ هَؤُلاءِ الْوَضعِيّينَ فِيمَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ بَعْضُ الأَقْسَاطِ ثُمَّ عَجِزِ عَنِ البَاقِي ذَهَبَ عَلَيْهِ كُلُّ الذِي دَفَعَهُ، وِفِيهِ شُرُوطٌ أُخْرَى، مِنْهَا كَوْنُ الشِّرْكَة تَشْتَرِطُ عَلَى نَفْسِهَا أَنْ تَدْفَعَ رِبْحًا خَمْسَةِ فِي الْمِائَةِ فِي حَالِةِ اسْتِمْرَارُ عَقْدِ التَّأْمِين، وَهَذَا عَقْدٌ بَاطِلٌ بِلا شَكْ.

وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا تَسْلِيمُ دَرَاهِمُ مُقَسَّطَةٌ فِي دَرَاهِمَ أَكْثَرَ مِنْهَا مُؤَجَّلَةً، قًدْ يَتَحَصَّلُ عَلَيْهَا، وَقَدْ تَفُوتُ عَلَيْهِ فِي حَالَةِ عَجْزِهِ عَنْ بَعْضِ الأَقْسَاطِ، فَحِقِيقَتُهَا شِرَاءُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَهُوَ مَمْنُوع، وَشِرَاءُ دَرَاهِمٍ بِدَرَاهِمَ أَكْثَرَ مَنْهَا وَهُوَ مَمْنُوع.

وَمِنْ جِهَةٍ فَهِيَ تُشْبِهُ بَيْعَ الآبِقِ الذِي لا يَصِحُّ بَيْعُه، فِي حَالَةِ جَهَالَةِ الحُصُولِ عَلِى العِوَضِ المَشْرُوطِ، وَقَدْ يَفُوتُ عَلَيْهِ مَعَ رَأْسِ مَاله، وِمَعَ مَا فِيهِ مِنَ الرِّبَا.

وَبِهَذَا يَتَبَيَّنْ أَنَّ مَسْأَلَةَ التَّأْمِينِ عَلَى الحَيِاةِ هِيَ مِنَ المُعَامَلاتِ الفِاسِدَةْ، وَلِمُشَابَهَتِهَا لِعَقْدِ الْمَيْسِرِ حَقِيقَةٌ وَمَعْنَى، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} .

<<  <  ج: ص:  >  >>