للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَمَّا عَظَّمَ جَلَّ وَعَلا أَمْرَ الزِّانِي بِوُجُوبِ جَلْدِهِ، وَكَذَا رَجْمِهِ إِنْ كَانَ مُحْصَنًا، وَأَنَّهُ لا تَجُوزُ مُقَارَنَتَهُ وَلا مُخَالَطَتَهُ عَلَى وَجْهٍ لا يَسْلَمُ فِيهِ مِنَ الشَّرِ، بَيَّنَ تَعَالَى تَعْظِيمَ الإِقْدَامِ عَلَى رَمْيِ الأَعْرَاضِ المُحَصَّنَةِ العَفِيفَةِ بِالزِّنَا، وَشَدَّدَ فِي عُقُوبَتِهِ، فَأَوْجَبَ عَلَى القَاذِفِ إِذَا لَمْ يُقِمْ البَيِّنَةَ عَلَى مَا قَالَ ثَلاثَة أَحْكَامٍ.

(أَحَدُهَا) : أَنْ يُجْلَدْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً. (الثَّانِي) : أَنْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ، فَيَكُونُ سَاقِطَ الاعْتِبَارِ فِي النَّاسِ، مُلْغَى القَوْلُ، لا تُسْمَعُ لَهُ كَلِمَةُ، وَلا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَلَوْ حُدَّ لِلْقَذْفِ حَتَّى يَتُوبَ. (الثَّالِثُ) : أَنَّهُ يَكُونُ فَاسِقًا، لَيْسَ بِعَدْلٍ عِنْدَ اللهِ وَلا عِنْدَ النَّاسِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَعْمَدُ إِلَى امْرَأَةٍ مُتَمَتِّعَةً بِالحَصَانَةِ وَالعِفَّةِ وَالنَّزَاهَةِ، بَعِيدَةً عَنِ الرِّيبَةِ، رُبَّمَا أَنَّهَا لا تَخْطُرُ لَهَا بِبَالٍ، وَلا تُحَدِّثَ بِهَا نَفْسَهَا، وَرُبَّمَا كَانَتْ ذَاتَ دِينٍ، غَافِلَةً عَنْهُ، مُقَضِّيَةً وَقْتَهَا فِي إِصْلاحِ شَأْنِهَا، وَتَدْبِيرِ بَيْتِهَا، وَتَرْبِيَةِ أَوْلادِهَا، وَتَطْهِيرِ نَفْسِهَا، فَيَرْمِيهَا بِالزِّنَا الذِي يَثْلِمُ بِهِ عِرْضَهَا، وَيَجْرَحُهُ، وَيُشِيعُ الفَاحِشَةَ عَلَيْهَا، وَيُشَوِّهُ بِهِ سُمْعَتِهَا وَتَسُوءُ بِهِ حَالُهَا، وَوَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ سَيِّءِ الآثَامِ مَا يُجْلِبُ الهُمُومِ واَلغُمُومِ وَالأَنْكَادِ وَالأَحْزَانِ، وَمَاذَا تَكُونُ نَظْرَةُ النَّاسُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى المَقْذْوفِ وَأُسْرَتِهِ، وَمَاذَا يَكُونُ غَضَبُهُمْ عَلَى القَاذِفِ وَمَنْ سَاعَدَهُ وَنَشَرَ مَعَهُ الفَاحِشَةَ. نَسْأَلُ اللهُ العَافِيَةَ.

وَقَالَ سَيَّدُ قُطْب عَلَى هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: إِنَّ تَرْكَ الأَلْسِنَةِ تُلْقِي التُّهَمِ عَلَى المُحْصَنَاتِ - وَهُنَّ العَفَيفَاتِ الحَرِائِرُ ثَيِّبَاتٍ أَوْ أَبْكَارًا - بِدُونِ دَلِيل قَاطِع يَتْرُكُ المَجَالَ فَسِيحًا لِكُلِّ مَنْ شَاءِ أَنْ يَقْذِفَ بَرِيئَةً أَوْ بَرِيئًا بِتِلْكَ التُّهْمَةِ النَّكْرَاءِ، ثُمَّ يَمْضِي آمِنًا فَتُصْبِحُ الجَمَاعَةُ وَتُمْسِي وَإِذَا أَعْرَاضُهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>