للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَابًا كَانَ يُجَالِسُ الأَحْنَفَ وَيُطِيلُ الصَّمْتَ، فَأَعْجَبَ ذَلِكَ الأَحْنَفُ، فَخَلَتِ الحَلَقَةُ يَوْمًا مِنَ المُتَكلمِين، فَقَالَ الأَحْنَفُ: تَكَلَّمْ يَا ابْنَ أَخِي، فَقَالَ: يَا عَمِّ لَوْ أَنَّ رَجُلاً سَقَطَ مِنْ شَرفِ هَذَا المَسْجِدِ يَضُرُّهُ شَيْءٍ؟ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي لَيْتَنَا تَرَكْنَاكَ مَسْتُورًا.

ثُمَّ تَمَثَّلَ الأَحْنَفُ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:

... وَكَائِنْ تَرَى مِنْ صَامِتٍ لَكَ مُعْجِبًا ... ???? ... زَيَادَتُهُ أَوْ نَقْصُهُ فِي التَّكَلُّمِ ... ???? ... لِسَانُ الفَتَى نِصْفٌ وَنِصْفُ فُؤَادُهُ ... ???? ... فَلَمْ يَبْقَ إِلا صُورَةُ اللَّحْمِ وَالدَّمِ ... >? ... ???? فَلِسَانُ العَاقِلُ مِنْ وَرَاءِ قَلْبِهِ، فَإِذَا أَرَادَ الكَلامَ رَجَعَ إِلَى قَلْبِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينًا أَوْ دُنْيَا تَكَلَّمَ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ كَالقَذْفِ وَالكَذِبِ وَالنَّمِيمَةِ أَمْسَكَ فَلا يُخْرِجُهُ، وَقَلْبُ الجَاهِل مِنْ وَرَاءِ لِسَانِهِ، يَتَكَلَّمُ بِكُلِّ مَا عَرَضَ لَهُ، فَالعَاقِلُ يَتَفَكَّرُ وَيَزنُ كَلامَهُ ثُمَّ يَتَكَلَّمُ بِمَا يَرَى أَنَّ فِيهِ لَهُ مَصْلَحَةً، وَلا مَضَرَّةَ فَيهِ عَلَيْهِ. وَقَالَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ: مَنْ لَمْ يَعُدَّ كَلامَهُ مِنْ عَمَلِهِ كَثُرَتْ خَطَايَاهُ. وَقَالَ بَعْضُ البُلَغَاءِ: احْبِسْ لِسَانَكَ قَبْلَ أَنْ يَحْبِسَكَ أَوْ يُتْلِفَ نَفْسَكَ. وَقَالَ النَّبيّ ? لِمُعَاذ: «وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ» وَقَالَ بَعْضُهُم: مَنْ كَثُرَ كَلامُهُ كَثُرَتْ آثَامُهُ. فَعَلَيْكَ بِطَرِيقِ السَّلفِ الذِينَ عَمَّرُوا أَوْقَاتَهُمِ بِتَقْوَى اللهِ.

... قُلوُبٌ بِتَقْوَى اللهِ وَالذكر تَعْمُر ... وَأَوْجُهُهُمْ بِالقُرب والبِشْرِ تَزْهُرُ

يُنَاجُونَ مَوْلاهُمْ بِفَرْطِ تَضَرُّعٍ ... وَأَدْمُعُهُمْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ تَقْطُرُ

آخر: ... صَلَّى الإِلَهُ عَلَى قَوْمٍ شَهدتهُم

كَانُوا إِذَا ذَكَرُوا أَوْ ذُكِّرُوا شَهِقُوا ... >?

<<  <  ج: ص:  >  >>