للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن الأعين التي كَانُوا بها ينظرون وسلهم عن الأعضاء الرقيقة.

والوجوه الحسنة والأجساد الناعمة ما صنعت بها الديدان.

محت الألوان، وأكلت اللحمان، وعفرت الوجوه، ومحت المحاسن، وكسرت الفقار، وأبانْتِ الأعضاء، ومزقت الأشلاء قَدْ حيل بينهم وبين الْعَمَل وفارقوا الأحبة.

فكم من ناعم وناعمة أصبحت وجوهم بإلية، وأجسادهم من أعناقهم بائنة، وأوصالهم متمزقة، وقَدْ سألت الحدق على الوجنات، وامتلأت الأفواه صديدًا، ودبت دواب الأَرْض في أجسامهم، وتفرقت أعضاؤهم.

ثُمَّ لم يلبثوا إِلا يسيرًا حتى عادت العظام رميمًا قَدْ فارقوا الحدائق فصاروا بعد السعة إلى المضائق قَدْ تزوجت نساؤهم وترددت في الطرق أبناؤهم.

فمِنْهُمْ والله الموسع له في قبره الغض الناعم فيه المتنعم بلذاته، فيا ساكن القبر ما الَّذِي غرك في الدُّنْيَا هل تظن أنك تبقى أو تبقى لك أين دارك الفيحاء ونهرك المطرد وأين ثمرتك الحاضر ينعها وأين رقاق ثيابك وأين كسوتك لصيفك وشتائك هيهات هيهات يا مغمض الوالد والأخ وغاسلةً وحاملةً يا مدليه في قبره وراحل عَنْهُ، ليت شعري كبف نمت على خشونة الثرى، وبأي خديك بدأ البلى، يا مجاور الهلكى صرت في محله الموت، ليت شعري ما الَّذِي يلقاني به ملك الموت عَنْدَ خروج روحي من الدُّنْيَا.

شِعْرًا:

انْتَبِهْ مِنْ كُلِّ نَوْمٍ أَغْفَلَكْ ... وَاخْشَ رَبًّا بِالْعَطَايَا جَمَّلَكْ

تَابِعِ الْمُخْتَارَ وَاسْلُكْ نَهْجَهُ ... فَهُوَ نُورٌ مَنْ مَشَى فِيهِ سَلَكْ

ثِقْ بِمَوْلاكَ وَكُنْ عَبْدًا لَهُ ... إِنَّ عَبْدَ اللهِ فِي الدُّنْيَا مَلِكْ

جَدِّدِ التَّوْبَ عَلَى مَا قَدْ مَضَى ... مِنْ زَمَانٍ بِالْمَعَاصِي أَشْغَلَكْ

<<  <  ج: ص:  >  >>