والكره منهما فلا تصدقان بالذليل ولا تتكثرن بالقليل ولا تعتصم بغير دافع ولا تطمئن إلى غير مانع لا يمنع ولا يدفع عَنْكَ.
فإنك بعين الله وبحضرة بيته الَّذِي جعله مثابةً للناس الزائرين ومنحجرًا للفاجر فانتفض الرشيد وجلس وخلا يديه عنهما وأومأ أن خذوا الرجل فأخذ حتى قضى طوافه وصلى وَرَجَعَ إلى المنزل الَّذِي نزل به ودعا بالرجل فأدخل عَلَيْهِ شيخ جليل.
فَقَالَ: من قبيلتك؟ قال: بنو هلال. قال: قبيلة مشهورة فما حَمَلَكَ أن كلمتني بالَّذِي كلمتني.
قال: إشفاقًا عَلَيْكَ إذا أنضيت الركاب وأتعب الرِّجَال وأنفقت الأموال في أمور الله عَزَّ وَجَلَّ أعلم بها حتى إذا صرت إلى غاية الطالب وموضع ترجو فيه الرحمة اعتمدت على ظالمين طاغيين قَدْ جبلا على الغشم ونشأ على الظلم وقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً} .
فنكس الرشيد رأسه وأقبل ينكت في الأَرْض وعَيْنَاهُ تذرفان ثُمَّ رفع رأسه فَقَالَ: من أين مطعمك وشربك؟ قال: من عِنْد من يرزقك. قال: من ذاك؟ قال: من عِنْد من خلق الحب والنوى وأخَرَجَ الحب من الثرى من طعام سهرت فيه العيون وتعبت في حصاده الأجساد وحرسته الملائكة حتى أتاني به القدر بلا رنق ولا كدر.
قال: ألك عيال؟ قال: نعم. قال: ومن هنَّ؟ قال: زوجة. قال: أتختلف إلى تجارة أو تحترف في صناعة؟ قال: قَدْ كفان الله مؤنةً ذَلِكَ بالعافية. قال: أفلا أجري عَلَيْكَ رزقًا تستعين به على بعض أمورك وتستغني به عن الطلب من غيرك؟ قال: إني بِاللهِ أغنى مني بما بذلت لي من ذَلِكَ.
قال: ألك حَاجَة؟ قال: نعم، أطع الله عَزَّ وَجَلَّ فيما تعلم من سرك فإنك تصل إلى كُلّ محبوب وتنال به كُلّ مطلوب ولست تبلغ شَيْئًا من نكاية عَدُوّكَ