للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفسًا، ما سئل عن شَيْء قط فَقَالَ لا، من سأله حَاجَة لم يرده إِلا بها، أو بميسور من القول، يجيب دعوة من دعاه، ويقبل الهدية لو كأَنْتَ كراعًا، ويكافئ عَلَيْهَا خيرًا منها، وكَانَ عَلَيْهِ الصَّلاة والسَّلام أشجع النَّاس، وأعظم النَّاس غيرة وإقدامًا، فر الفرسان والأبطال عَنْهُ غير مرة، وَهُوَ ثابت لا يبرح مقبل لا مدبر، ولا يتزحزح، وكَانَ صلوات الله وسلامه عَلَيْهِ أشد النَّاس حياء، وأكثرهم عن العورات إغضاء. قال أبو سعيد الخدري: كَانَ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشد حياء من العذراء في خدرها، وكَانَ إذا كره شَيْئًا عرفناه في وجهه وكَانَ لا يخاطب أحدًا بما يكره حياء وكرمًا.

أما شفقته ورحمته ورأفته ولطفه بجَمِيع الخلق، فنما ذكر الله عَنْهُ بقوله: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} ، وَقَالَ عز من قائل: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} وأما تواضعه – مَعَ علو منصبه ومكانته، ورفع رتبته - فقَدْ خيره الله بين أن يكون ملكًا نبيًا، أو عبدًا نبيًا، فاختار عبدًا نبيًا، وكَانَ يَقُولُ: «إنما أَنَا عبد، آكل كما يأكل الْعَبْد، وأجلس كما يجلس الْعَبْد» وكَانَ يجالس الفقراء، ويعود المساكين، ويجلس مَعَ أصحابه مختلطًا بِهُمْ كأنه واحد مِنْهُمْ، وكَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ أحيني مسكينً، وأمتني مسكينًا، واحشرني في زمرة المساكين» .

وأما عدله وأمانته، وعفته ومروءته، ووقاره وهيبته، وصدقه ووفاؤه بالعهد وحفظه للوعد، وصلته للأرحام، وعطفه على الأيتام، فقَدْ بلغ في كُلّ ذَلِكَ الغاية، ووصل إلى النهاية، وأما زهده وورعه، فقَدْ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إني عرض علي أن تجعل لي بطحاء مَكَّة ذهبًا، فقُلْتُ: لا

<<  <  ج: ص:  >  >>