للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والنوم، والكلام، والمخالطة، كما أن البدن إذا مرض لم ينفع فيه الطعام والشراب فكَذَلِكَ الْقَلْب إذا مرض بالشهوات لم تنجح فيه المواعظ.

من أراد صفاء قَلْبهُ فليؤثر الله على شهواته.

القُلُوب المتعلقة بالشهوات محجوبة بقدر تعلقها بها. شغلوا قُلُوبهمْ بالدُّنْيَا، ولو شغلوها بِاللهِ والدار الآخِرَة لجالت في معاني كلامه وآياته المشهودة ورجعت إلى أصحابها بغرائب الحكم وطرف الفَوَائِد.

إذا غذي الْقَلْب بالتذكر، وسقى بالتفكر، ونقى من الدغل، ورأى العجائب، وألهم الحكمة، خراب الْقَلْب من الأمن والغَفْلَة، وعمارته من الخشية والذكر.

إذا زهدت القُلُوب في موائد الدُّنْيَا قعدت على موائد الآخِرَة بين أَهْل تلك الدعوة، وإذا رضيت بموائد الدُّنْيَا فاتتها تلك الموائد.

والْقَلْب يمرض كما يمرض البدن وشفاؤه في التوبة والحمية ويصدأ كما تصدئ المرآة وجلاوة بالذكر، ويعرى كما يعرى الجسد وزينته التقوى، ويجوع ويظمأ كما يجوع البدن، وطعامه وشرابه المعرفة والمحبة والتوكل والإنابة والخدمة.

للقب ستة مواطن يجول فيه لا سابع لها: ثلاثة سافلة، وثلاثة عالية.

فالسافلة: دنيا تتزين له، ونفس تحدثه، وعدو يوسوس له، فهذه مواطن الأرواح السافلة لا تزال تجول فيها.

والثلاثة العالية: علم يتبين له، وعقل يرشده، وإله يعبده. والقُلُوب جوالة في هذه المواطن.

وَقَالَ رَحِمَهُ اللهُ: ولا ريب أن الْقَلْب يصدأ كما يصدأ النحاس والفضة وغيرها وجلاؤه بالذكر فإنه يجلوه حتى يدعه كالمرآة البيضاء، فإذا ترك صدئ، فإذا ذكر جلاه.

<<  <  ج: ص:  >  >>