للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيقولُ سَيِّدُ قُطْبِ رحمه الله على الآية المتقدمَةِ قَرِيبًا: هذا النَّصُ النَّصُ الذِي تَلَوْتُهُ مِنْ قَبْلُ وَسَمِعْتُهُ أَلْفَ مَرَّةٍ أَوْ تَزَيدُ في أَثْنَاءِ حِفْظِي لِلْقُرْآنِ، وَفِي أَثْنَاءِ تِلاوَتِهِ بعدَ ذَلِكَ وَدِرَاسَتِهِ، فِي أَكْثَر مِنْ رُبع قَرْنٍ، هَذَا النَّصْ أَشْهَدُ أَنَّنِي أَدْرِكُ مِنْهُ اللَّحْظَةَ مَا لَمْ أُدْرِكْهُ في أَلْفِ مَرَّةٍ أَوْ تَزِيدُ، إِنَّهُ نَصٌّ رَهِيبٌ، يَكْشِفُ عَنْ حَقِيقَةِ العِلاقَةِ التِي تَرْبَطُ الْمُؤْمِنينَ الصادقينَ باللهِ، وَعَنْ حَقِيقَةِ البَيْعَةِ التِي في أعْنَاقِهِمْ طُولَ الْحَيَاةِ، فمَنْ بايَعَ البَيْعَةَ، وَوَفَى بِهَا فَهُوَ الْمُؤْمِنُ الْحَقُّ، الذِي يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ مَعْنَى الْمُؤْمِنِ وَحَقِيقَتِهِ، وَإِلاّ فَهِي دَعْوَى تَحْتَاجُ إلي التصديقِ والتحقيق.

حقيقةُ هذهِ البَيْعَةِ - أَوْ هذه الْمُبَايَعَةِ كَمَا سَمَّاهَا اللهُ كَرَمًا منه وَفَضْلاً - أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ قَدْ اسْتَخْلَصَ لِنَفْسِهِ أَنْفُسَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَمْوَالَهُمْ، فَلَمْ يَعُدْ لَهُمْ مِنْهَا شَيْءٌ، لَمْ يَعُدْ لَهُمْ أَنْ يَسْتَبِقُوا مِنْهَا بَقِيَّةً، لا يُنْفِقُونَهَا في سَبِيلِ اللهِ، لَمْ يَعُدْ لَهَمْ خِيارٌ فِي أَنْ يَبْذُلُوا أَوْ يُمْسِكُوا، كَلا إِنَّها بَيْعةٌ كامِلةٌ، فالثمَنُ الجَنةُ والطريقُ الجِهَادُ، والنِّهايةُ هِيَ النَّصْرُ أَوِ الاسْتِشْهَادُ، وَمِنْ رَحمتِهِ أَنْ جَعَلَ لِلصَّفْقَةِ ثَمنًا، وَإِلاّ فهو مالِكُ الأَنفُسِ والأَموَالِ وَلَكِنَّهُ كَرَّمَ هَذَا الإنسانَ، فَجَعَلَهُ مُرِيدًا، وَكَرَّمَهُ فَجَعل لَهُ أَنْ يعقِدَ العُقودَ وَيُمْضِيهَا حتَّى مَعَ اللهِ وَكَرَّمَهُ فقيَّدَهُ بعُقُودِهِ وَعُهُودِهِ، وجعلَ وَفَاءَهُ بِهَا مِقْيَاسَ آدَمِيَّتِهِ الكَرِيمةِ، كَمَا جَعَلَهُ مَنَاطَ الْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ.

وَإِنَّهَا لَبَيْعَةٌ رَهِيبَةٌ بِلا شَكٍّ، وَلَكِنَّهَا في عُنُقِ كُلِّ مُؤْمِنٍ، لا تَسْقُطُ عنهُ إلا بِسُقُوطِ إيمانِهِ وَالعِياذُ بِاللهِ، يَا اللهُ عونَكَ، فَإِنَّ العَقْدَ رَهِيبٌ، وَهؤلاءِ القَاعِدونَ بِالْمَلايينِ، في مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا يَدَّعُون أنهم مؤمنونَ بِكَ، وَهُمْ قَاعِدُونَ، لا يُقَاتلون لإِعْلاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>