الْخَلْفِ، وَهُمْ كُلَمَّا بَعُدُوا عن الْمَدِينةِ تَقَدَّمُوا في أرضٍ يُسَيْطِرُ عليها الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ، وَمَنْ يُشَابِهونَهُمْ في عَدَاوَةِ الإِسْلامِ، وَمِنْ أَجْل هَذَا أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تَنْظِيمِ رِجَالِهِ، عَلَى النَّحْوِ الذِي أَحْرَى أَنْ يَأْمَنَ بِهِ الْمُفَاجَأَةَ، فَجَعَلَ عَلَى السَّاقَةِ قَيْسَ ابنَ أَبِي صَعْصَعَةَ، وَعَلَى الْمُقَدِّمَةِ الزُّبَيْرَ بنَ العَوَّامَ، وَأَظهَرَ السِّلاحَ، وَعَقَدَ ألْوِيةً ثلاثةً لِوَاءً أَبْيَضَ يَحْمِلُهُ مُصْعبُ بنُ عُمَيرٍ، وَرَايَتَانِ سَوْداَوَانِ، إِحْدَاهُمَا مَعَ عَلِيّ بنِ أبي طَالبٍ، وَالتِي للأَنْصَارِ إلى سَعْدِ بن مُعاذٍ.
وَسَارَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمَّا قَرُبَ مِنْ الصَّفْرَاءِ قَدَّمَ عَيْنَيْنِ لَهُ إلى الْمُشْرِكِينَ، يَتَجَسَّسَانِ أَخْبَارَ العِيْر، وَالْعَيْنَّانِ بسْبَسُ بنُ عَمْروٍ الْجَهَنِي، وَعُدَيُّ بنُ أَبِي الزَّغْبَاءِ الْجُهَنِي، فَانْتَهَيَا إِلى مَاءِ بَدرٍ، فَوَجَدَا هُنَاكَ جَارِيَتَيْن تَسْتَقِيَانِ مِنْ الْمَاءِ، وَعَلِمَا مِنْ حِوَارِهِمَا أَنَّهُمَا تَتَرَقَّبَانِ عِيرَ قُرَيْشٍ، وَأَنَّهَا تَصِلُ إلى بَدْرٍ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ فَرَجَعَا إِلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأْخَبَرَاهُ بِذَلِكَ.
وَأَمَّا أَبُو سُفْيَانُ فَقَدْ وَصَلَ إِلَيْهِ الْخَبَرُ بَأَنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ يَتَرَصَّدُونَ عوْدَتُه، فأرْسَلَ على عَجَلٍ رَسُولاً إلى قُرَيْشِ، يُنَبِّئُهَا بِمَا عَزَمَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ وَصَحْبُهُ، وَيَسْتَفِزُّهَا لِحَمَايَةِ أَمْوَالِهَا وَاسْتَأْجَرَ ضَمْضَمَ بنَ عَمْروٍ الغِفَارِيّ إلى مَكَّةَ، مُسْتَصْرِخًا لِقُرَيْشٍ بالنَّفِير إلى عِيرِهِمْ، لِيَمْنَعُوهُ مِنْ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، وَوَصَّى رَسُولَهُ أَنْ يَتَّخِذَ لِذَلِكَ كُلَّ وَسِيلَةٍ تُثِيرُ مَشَاعِرَ القَوْمِ، وَتَسْتَنْهِضُ هِمَمَهُمْ لِلْغَوْثِ وَالنَّجْدَةِ، فَاتَّخَذَ رَسُولُهُ لِذَلِكَ كُلَّ مَظَاهِرِ الصَّارِخِ الْمَلْهُوفِ، فَجَدَع بَعِيرَهُ، وَحَوَّلَ رَحْلَهُ وَشَقَّ قَمِيصَهُ، وَوَقَفَ يَصْرُخُ بِبَطْنِ الوَادِي، قَائِلاً: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اللَّطِيمَةَ اللَّطِيمَةَ، أَمْوَالُكُمْ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ، قَدْ عَرَضَ لَهَا مُحَمَّدٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute