للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَعْدَادَهُمْ فَمَا خَيْرُ الْعَيْشِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَرُوا رَأْيَكُمْ، فَتَعَاظَمَتْ في أَعْيُن قُرَيْشٍ هِيبَةُ الْمُؤْمِنِينَ، وَانْهَارَتْ قُوَاهُمْ الْمَعْنَوِيَّةِ، وَحَلَّ الْخَوْفِ مَحَلَّ التَّكَبر وَالزَّهْوِ وَالطُّغْيَانِ وَالاحْتِقَارِ، وَلَكِنْ ضَافَ عَلَى الْخَوْفِ التَّجَلُّدُ وَالْمُجَامَلَةُ، وَأَخَذَ الْخِلافُ يَدِبُّ بَيْنَ صُفُوفِهِمْ مِنْ جَدِيدٍ، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَمْشِي إِلى بَعْضٍ، رَجَاءَ أَنْ يَنْفَضُوا قَبْلَ أَنْ تَنْشَبَ الْحَرْبُ، وَيَحْتَدِمُ الْقِتَالُ، وَأَدْرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَيَنْهُم مِن خِلافٍ، فَأَرَادَ أَنْ يُعْذِرَ إِلَيْهِمِ مِنْ نَفْسِهِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ عُمَرَ بنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ لَهُمْ: ارْجِعُوا فَإِنَّهُ يَلِي هَذَا مِنِّي غَيْرَكُمْ، أَحَبُّ إِليَّ مِنْ أَنْ تَلَوْهُ مِنِّي، فَقَالَ حُكَيْمُ بن حِزَامٍ: قَدْ عَرَضَ وَاللهِ نِصْفًا فَاقْبَلُوهُ وَمَشَى إِلى عُتْبَةَ بن رَبِيعَةَ فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا الوَلِيدِ أَنْتَ كَبِيرُ قُرَيْشٍ وَسَيِّدَهَا وَالْمُطَاعِ فِيهَا، فَهَلْ لَكَ أَلا تَزَالَ تُذْكَرَ مِنْهَا بِخَيْرٍ آخِرَ الدَّهْرِ، قَالَ: وَمَا ذَاكَ يَا أَبَا خَالِدٍ؟ قَالَ: تَرْجِعُ بِالنَّاسِ، وَتَحْمِلْ دَمَ حَلِيفِكَ ابن الْحَضْرَمِي، وَمَا أَصَابَ مُحَمَّدٌ مِنْ تِلْكَ العِيرِ بِبَطْنِ نَخْلَةَ، قَالَ عُتْبَةُ: قَدْ فَعَلْتُ وَأَنْتَ عَلَيَّ بِذَلِكَ، ثُمَّ قَامَ عُتْبَةُ في الْمُشْرِكِينَ يَقُولُ: يَا قَوْمُ أَطِيعُونِي لا تُقَاتِلُونَ هَذَا الرَّجُلَ وَأَصْحَابَهُ، اعْصُبُوا هَذَا الأَمْرَ بِرَأْسِي، وَاجْعَلُوا جُبْنَهَابِي فَإِنَّ مِنْهُمْ رِجَالاً قَرَابَتَهُمْ قَرِيبَةً، وَلِئِنْ أَصَبْتُمُوه لا يَزالَ الرَّجلُ مِنْكُمْ يَنْظُرُ إلى قَاتِلِ أَبِيهِ وَأَخِيهِ فَيُورِثُ ذَلِكَ مِنْكُمْ شَحْنَاءَ وَأَضْغَانًا، وَلَنْ تَخْلَصُوا إِلى قَتْلِهِم حَتَّى يُصِيبُوا مِنْكُمْ عَدَدَهُمْ وَلا آمَنُ أَنْ تَكُونَ الدَّبِرَةُ عَلَيْكُم، وَأَنْتُم لا تَطْلُبُونَ إِلا دَمَّ هَذَا الرَّجُلِ، وَالْعِيرِ التِي أَصَابَ، وَأَنَا أَحْتَمِلُ ذَلِكَ، وَهُوَ عَلَيَّ، يَا قَوْمُ إِنْ يَكُ مُحَمَّدٌ كَاذِبًا يَكْفِيكُمُوهُ ذُؤبَانُ العَرَبِ، وَإِنْ يَكُنْ مَلِكًا أَكَلْتُمْ في

<<  <  ج: ص:  >  >>