لَهُمْ: أَنَّهُ قَدْ قَرُبَ خُرُوجُهُ، فَلَّمَا هَاجَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلى الْمَدِينَةِ، وَاتَّضَحَتْ صِفَاتِهِ لِلأَنْصَارِ وَاتَّبَعُوهُ حَسَدَهُ أَبُو عَامِرٍ وَأَنْكَرَ نُبُوَّتَهُ، وَكَانَ رَئِيسًا فِي الأَوْسِ قَبَّحَهُ اللهِ، كَعَبْدِ اللهِ بن أُبَيّ فِي الْخِزْرَجِ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا حَسَدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنَّ عَبْدَ اللهِ بن أُبَيّ دَخَلَ فِي الإِسْلامِ ظَاهِرًا وَهُوَ مَعَ الْكُفَّارِ بَاطِنًا وَأَبُو عَامِرٍ خَرَجَ مِن الإِسْلامِ كَافِرًا مُبَاعِدًا، وَخَرَجَ مَعَهُ خَمْسُونَ مِنْ شِيعَتِهِ، مِن شَبَابِ الأَوْسِ وَغِلْمَانِهِمْ، فَأقَام فِي مَكَّةَ مُنَاصِرًا لِقُرَيْشٍ مُحَرِّضًا لَهَا عَلَى قِتَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا عَزِمَتْ قُرَيْشٌ عَلَى الْخُرُوجِ إِلى أُحُدٍ، مَنَّاهَا أَبُو عَامِرٍ أَنْ يُخَذِّلَ لَهَا قَوْمَهُ الأَوْسَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْ يَخْرُجَ مِنْ صُفُوفِ الْمُسْلِمِينَ، إِلى صُفُوفِ الْمُشْرِكِينَ إِذَا الْتَقَى الْجَمْعَانِ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ مُعْتَمِدًا عَلَى مَا كَانَ لَهُ مِنْ سَابِقِ الْمَكَانَةِ فِي قَوْمِهِ، مُعْتَقِدًا أَنَّهُ بِهَذِهِ الْمَكَانَةِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحْدِثُ مَا يَشَاءُ مِنْ التَّفْرِيقِ فِي صُفُوفُ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ يَكْفِي لِذَلِكَ أَنْ يَظْهَرَ لَهُمْ عِنْدَ اللِّقَاءِ، وَأَنْ يُسْمِعَهُمْ صَوْتَهُ، فَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ، حَتَّى لَقَدْ كَانَ يَقُولُ لِقُرَيْشٍ، فِي يَقِينِ الْوَاثِقِ الْمُطْمَئِنِّ - لَوْ قَدِمْتُ عَلَى قَوْمِي لَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْكُمْ مِنْهُمْ رَجُلانِ، وَهَؤُلاءِ مَعِي نَفَرٌ مِنْ قَوْمِي، وَكَانَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَأَى رُؤْيَا فَلَمَّا أَصْبَحَ يَوْمَ الْجُمْعَةَ وَاجْتَمَعَ النَّاسُ خَطَبَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمد اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَأَيْتُ فِي مَنَامِي رُؤْيَا، رَأَيْتُ كَأَنِّي فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ وَرَأَيْتُ كَأَنَّ سَيْفِي ذُو الْفُقَارِ انْقَصَمَ مِن عِنْدِ ظَبَّتِهِ، وَرَأَيْتُ َبَقرًا تُذْبَحُ، وَرَأَيْتُ كَأَنِّي مُرْدِفٌ كَبْشًا» . فَقَالَ النَّاسُ: فَمَا أَوَّلْتَهَا؟ قَالَ: «أَمَّا الدِّرْعُ الْحَصِينَةُ فَهِيَ الْمَدِينَةُ، فَامْكُثُوا فِيهَا، أَمَّا انْفِصَامُ سَيْفِي مِنْ عِنْدِ ظَبَّتِهِ فَمُصِيبَتِي فِي نَفْسِي، وَأَمَّا الْبَقَرُ فَقَتْلَى فِي أَصْحَابِي، وَأَمَّا أَنِّي مُرْدِفٌ كَبْشًا، فَكَبْشُ الْكَتِيبَةِ، نَقْتُلُهُ إِنْ شَاءَ اللهِ» . وَفِي رِوَايَةٍ:: «وَأَمَّا انْفِصَامِ سَيْفِي، فَقَتْلُ رَجُلِ مِنْ بَيْتِي» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute