تُدْنِي إِلى الْجَنَّاتِ، وَتُبْعِدُ عن النَّارِ، لِهَذَا كَانُوا لا يَخَافُونَ الْمَوْتَ، وَيَحْرِصُونَ عَلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ، لَعَلَّهُمْ يَنَالُونَ الشَّهَادَةَ، وَيَبْكُونَ إِذَا لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُمْ الْخُرُوجُ إِلى الْجِهَادِ، كَمَا أَخْبَرَ اللهُ عَنْهُم، وَكَمَا مَرَّ عَنْهُمْ فِي الأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ، لِذلِكَ بَلَغُوا مِن الشَّجَاعَةِ مُنْتَهَاهَا، وَعَاشُوا وَمَاتُوا وَهُمْ سَادَةُ الْعَالَمِين.
أَمَّا زُهْدُهُم في هَذِهِ الدُّنْيَا فَكَانَ مَوْضِعَ الْعَجَبِ لأَنَّ مَقْصُودَهُمْ غَيْرَهَا، وَلِهَذَا كَانُوا أَشْرَفَ أُمَّةٍ تَحَلَّى بِرُؤْيَتِهَا الزَّمَانُ.
أَمَّا نَحْنُ فَقَصُرَ نَظَرُنَا قَصْرًا مِن الْعَارِ أَنْ يُنْسَبَ إِلى عُقَلاءَ الرِّجَالِ وَهَلْ يُتَصَوَّرْ أَنَّ الْعَاقِلَ تَمْلِكُ قَلْبَهُ وَقَالِبَهُ الدُّنْيَا وَحِطَامِهَا الْفَانِي، فَيَجْعَلُ كُلَّ مَقْصُودِهِ الْمَالُ، مَعَ أَنَّهُ يَقْرَأ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} .
هَذَا هُوَ الذِي كَانَ مِنَّا فَالآخِرَةُ لا تَخْطُرُ لَنَا عَلَى بَالٍ، فَلِلدُّنْيَا أَبْدَانُنَا وَقُلُوبُنَا، وَلَهَا رِضَانَا وَسَخَطُنَا، وَإِنْ زُجْرنَا عَنْهَا إِزْدَادَ وَلَعُنَا بِهَا وَزَادَ إِقْبَالُنَا عَلَيْهَا وَتَضَاعَفَ جُهْدَنَا لَهَا.
عَلَى حَد قَوْل الشَّاعر:
وَإِذا زَجَرْتُ النَّفْسَ عَنْ شَغَفٍ بِهَا
فَكَأَنَّ زَجْرَ غَويِّهَا إِغْرَاؤُهَا
لِهَذَا كَرِهْنَا الْمَوْتَ كَرَاهَةً شَدِيدَةً فَفَقَدْنَا الشَّجَاعَةَ وَأَصَابَنَا الْوَهَنُ وَالْخَورُ وَالضَّعْفُ وَالْجُبْنُ.
شِعْرًا: ... نَهَاكَ عَن الْبَطَالَةِ وَالتَّصَابِي ... نُحُولُ الْجِسْمِ وَالرَّأْسُ الْخَضِيبُ
إِذَا مَا مَاتَ بَعْضُكَ فَابْكِ بَعْضَا ... فَبَعْضُ الشَّيْءِ مِنْ بَعْضٍ قَرِيبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute