للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُتَزهِّد مُنَافِقٌ أَوْ مُرَاءٍ. فَأَوَّلُ عُقُوبَاتِهِمْ، إِعْرَاضُهمْ عَنْ الْحَقِّ شُغْلاً بِالْخَلْقِ، وَمِنْ خَفِيِّ عُقُوبَاتِهِمْ سَلْبُ حَلاوَةِ الْمُنَاجَاةِ، وَلَذَةِ التَّعَبُدِ.

إِلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ، وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتُ، يَحْفَظ الله بِهِمْ الأَرْضَ، بَوَاطِنَهُمْ كَظَوَاهِرَهُمْ بَلْ أَحْلَى، وَسَرَائِرَهُمْ كَعَلانِيَّتَهُمْ بَلْ أَحْلَى، وهممهم عِنْدَ الثَّرَيَا بَلْ أَعْلَى، إِنْ عُرِفُوا تَنَكَّرُوا وَإِنْ رُئيت لَهُمْ كَرَامَة أَنْكَرُوا. فَالنَّاسُ فِي غَفْلاتِهِمْ، وَهُمْ فِي قَطْعِ فَلاتِهِمْ، تَحِبُّهُمْ بِقَاع الأَرْض، وَتَفْرَح بِهِمْ أَمْلاكُ السَّمَاءِ. نَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ التَّوْفِيقَ لإتِّبَاعِهِمْ، وَأَنْ يَجْعَلْنَا مِنْ أَتْبَاعِهِمْ.

وَسَلِ الْعِيَاذُ مِنْ التَّكَبُّرَ وَالْهَوَى ... فَهُمَا لِكُلِّ الشَّرِ جَامِعَتَانِ

فَتَرَى هَوَاهُ يَمْنَعُهُ تَارَةً ... وَالْكِبْرُ أُخْرَى ثُمَّ يَجْتَمِعَانِ

واللهِ مَا فِي النَّارِ إِلا تَابِعٌ ... هاذين فَاسْأَلْ سَاكِنِي النِّيرَانِ

آخر: ... تَواضَع إِذَا مَا نِلْتَ فِي النَّاسِ رِفْعَةً ... فَإِنَّ رَفِيعَ الْقَوْمِ مَنْ يَتَوَاضَعُ

وَدَاوِمْ عَلَى حَمْدِ الإِلَهِ وَشُكْرِهِ ... وَذِكْرٍ لَهُ فَهُوَ الذِي لَكَ رَافِعُ

وَقَالَ ابن الْجَوْزِي: اعْتَبَرْتُ عَلَى أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَالزُّهَادِ أَنَّهم يُبْطِنُونَ الْكِبْرَ فَهَذَا يَنْظُرُ فِي مَوْضِعِهِ وَارْتِفَاعِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، وَهَذَا لا يَعُودُ مَرِيضًا فَقِيرًا يَرَى نَفْسَه خَيْرًا مِنْهُ. حَتَّى أَنِّي رَأَيْتُ جَمَاعَةً يُوْمأ إِلَيْهِمْ، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لا أَدْقَنُ إِلا فِي دِكَّةِ أَحْمَدَ بن حَنْبَل، وَيَعْلَمُ أَنَّ فِي ذَلِكَ كَسْرُ عِظَامِ الْمَوْتَى، ثُمَّ يَرَى نَفْسَهُ أَهْلاً لِذَلِكَ التَّصَدُّرِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولِ: ادْفِنُونِي إِلى جَانِب مَسْجِدِي ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ يَصِير بَعْدَ مَوْتِهِ مَزُورًا كَمَعْرُوف الْكَرْخِي.

وَهَذِهِ خِلَّةٌ مُهْلِكَة ولا يعلمون. قال النبي ?: «مَن ظن أنه خير من غيره فقد تكبر» وَقَلَّ مَنْ رَأَيْتُ إلا وهو يَرى نفسه.

والعجبُ كُلَّ العجبِ مِمَّنْ يَرى نَفْسَه، أتراه بماذا؟ إن كان بالعلم فقد سَبَقَهُ الْعُلماء، وإن كان بالتعبد فقد سَبَقه العبَّاد، أو بالمال فإن المال لا يوجب بنفسه فضيلةً دِينيةً. فإن قال: قد عرفتُ ما لم يعرف غيري من العلم في زمني فما عليَّ مِمَّن تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>