للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الشَّاعِر:

أَمْسَى النِّفَاقُ دُرُوعًا يَسْتَجِنُّ بِهَا ... عَنِ الأَذَى وَيُقَوِّي سَرْدَهَا الْحَلِفُ

تَبًّا لَهُمْ بَرَزُوا إِلى الْبَيْدَاءِ مَعَ رَكْبِ الإِيمَانِ، فَلَمَّا رَأَوْا طُولَ الطَّرِيقِ وَبُعْدَ الشُّقَّةِ نَكَصُوا عَلَى أَعْقَابِهِمْ وَرَجَعُوا، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ يَتَمَتَّعُونَ بِطَيِّبِ الْعَيْشِ وَلَذَّةِ الْمَنَامِ فِي دِيَارِهِمْ، فَمَا مَتَّعُوا بِهِ وَلا بِتِلْكَ الْهَجْعَةِ انْتَفَعُوا، فَمَا هُو إِلا أَنْ صَاحَ بِهِمْ الصَّائِحُ فَقَامُوا عَنْ مَوَائِدِ أَطْعِمَتِهِمْ وَالْقَوْمُ جِيَاعٌ مَا شَبِعُوا، فَكَيْفَ حَالُهم عِنْدَ اللِّقَاءِ؟ وَقَدْ عَرَفُوا ثُمَّ أَنْكَرُوا، وَعَمُوا بَعْدَ مَا عَايَنُوا الْحَقَّ وَأَبْصَرُوا {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ} .

أَحْسَنُ النَّاسِ أَجْسَامًا وَأَخْلَبُهم لِسَانًا وَأَلْطَفَهُمْ بَيَانًا وَأَخْبَثَهُمْ قُلُوبًا وَأَضْعَفَهُمْ جَنَانًا، فَهُمْ كَالْخَشَبِ الْمُسَنَّدَةِ الَّتِي لا ثَمَرَ لَهَا، قَدْ قُلِعَتْ مِنْ مَغَارِسِهَا فَتَسَانَدَتْ إِلى حَائِطٍ يُقِيمُهَا لِئلا يَطَأهَا السَّالِكُونَ {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} !

يُؤخِّرُونَ الصَّلاةَ عَنْ وَقْتِهَا الأَوَّلِ إِلى شَرْقِ الْمَوْتَى، فَالصُّبْحُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَالْعَصْرُ عِنْدَ الْغُرُوبِ، وَيَنْقُرونَهَا نَقْرَ الْغُرَابِ، إِذْ هِيَ صَلاةُ الأَبْدَانِ لا صَلاةُ الْقُلُوبِ، وَيَلْتَفِتُونَ فِيهَا الْتِفَاتَةِ الثَّعْلَبِ، إِذْ يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ مَطْرُودٌ مَطْلُوبٌ، وَلا يَشْهَدُونَ الْجَمَاعَةِ، بَلْ إِنْ صَلَّى أَحَدهُم فَفِي الْبَيْتِ أَوْ الدُّكَّانِ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ، هَذِهِ مُعَامَلَتُهُمْ لِلْخَلْقِ، وَتِلْكَ مُعَامَلَتُهم لِلْخَالِق، فَخُذْ وَصْفَهُم مِنْ أَوَّلِ (الْمُطَفِّفِينَ) وَآخِر (وَالسَّمَاء وَالطَّارِقِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>