بِاجْتِمَاعِهِمْ مَعَهُمْ وَصُحْبَتِهِمْ لَهُمْ فِي هَذِهِ الدَّارِ، كَمَا يُذَكِّرُ الْغَريبُ صَاحِبَ الْوَطَنِ بِصُحْبَتِهِ فِي الأَسْفَارِ {أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ} ؟ نَصُومُ كَمَا تَصُومُونَ، وَنُصَلِّي كَمَا تُصَلُّونَ، وَنَقْرَأُ كَمَا تَقْرَءُونَ، وَنَتَصَدَّقُ كَمَا تُصَدِّقُونَ، وَنَحُجُّ كَمَا تَحُجُّونَ؟ فَمَا الذِي فَرَّقَ بَيْنَنَا الْيَوْمَ حَتَّى انْفَرَدْتُمْ دُونَنَا بِالْمُرُورِ؟ {قَالُوا بَلَى} وَلَكِنَّكُمْ كَانَتْ ظَوَاهِرُكُمْ مَعَنَا وَبَوَاطِنُكم مَعَ كُلِّ مُلْحِدٍ، وَكُلِّ ظَلُومٍ كَفُورٍ {وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاء أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} .
لا تَسْتَطِلْ أَوْصَافَ الْقَوْم، فَالْمَتْرُوكُ - وَاللهِ - أَكْثَرُ مِنْ الْمَذْكُورِ كَادَ الْقُرْآنُ أَنْ يَكُونَ كُلَّهُ فِي شَأْنِهِمْ، لِكَثْرَتِهِمْ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ وَفِي أَجْوَافِ الْقُبُورِ، فَلا خَلَتْ بِقَاعُ الأَرْضِ مِنْهُمْ لِئَلا يَسْتَوْحِشَ الْمُؤْمِنُونَ فِي الطُّرَقاتِ، وَتَتَعَطَّلَ بِهِمْ أَسْبَابُ الْمَعَايِشِ، وَتَخَطَّفُهمْ الْوُحُوشُ وَالسِّبَاعُ فِي الْفَلَوَاتِ، سَمَعَ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رَجُلاً يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَهْلِكْ الْمُنَافِقِينَ، فَقَالَ: (يَا ابن أَخِي، لَوْ هَلَكَ الْمُنَافِقِونُ لاسْتَوْحَشْتُم فِي طُرُقَاتِكُمْ مِنْ قِلَّةِ السَّالِكِ) .
تَاللهِ لَقَدْ قَطَعَ خَوْفُ النِّفَاقِ قُلُوبَ السَّابِقِينَ الأَوَّلِينَ لَعِلْمِهم بِدِقِّهِ وَجُلِّه، وَتَفَاصِيلِهِ وَجُمَلِهِ، سَاءَتْ ظُنُونُهُم بِنُفُوسِهِمْ، حَتَّى خَشُوا أَنْ يَكُونُوا مِنْ جُمْلَةِ الْمُنَافِقِينَ، قَالَ عُمَرُ بنُ الْخَطَّابِ لِحُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: (يَا حُذَيْفَةِ، نَشَدْتُكَ بِاللهِ، هَلْ سَمَّانِي لَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: لا، وَلا أُزَكِّي بَعْدَكَ أَحَدًا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَدْرَكْتُ ثَلاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقُ عَلَى نَفْسِهِ، مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ: إِنَّ إِيمَانَهُ كَإِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ) . ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ، وَذَكَرَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ (مَا أَمِنَهُ إِلا مُنَافِقٌ، وَمَا خَافَهُ إِلا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute