للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمَا كَادَتْ كَلِمَةُ «الْجَنَّةِ» تُصَافِحُ آذَانَ الْقَوْم حَتَّى أَشْرَقَتْ وجُوهُهم بِالْفَرْحَةِ وَزَهِتْ قَسَمَاتُهُمْ بِالْبَهْجَةِ، وَقَالُوا:

رَضِينَا يَا رَسُولَ اللهِ ... رَضِينَا يَا رَسُولَ اللهِ ...

وَمُنْذُ ذَلِكَ الْيَوْمِ جَعَلَ الرَّسُولُ صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِ ثَابِتَ بن قَيْسٍ خَطِيبَهُ، كَمَا كَانَ حَسَّانُ بِنْ ثَابِتٍ شَاعِرَه.

فَصَارَ إِذَا جَاءَتْهُ وُفُودُ الْعَرَبَ لِتَفَاخِرَهُ أَوْ تُنَاظِرَهُ بِأَلْسِنَةِ الْفُصَحَاءِ الْمَقَاوِل مِنْ خُطَبَائِهَا وَشعرائِها نَدَبَ لَهُمْ ثَابِتَ بنَ قَيْسٍ لِمُصَاوَلَةِ الْخُطَبَاءِ وَحَسَّانَ بن ثَابِتٍ لِمُفَاخَرَةِ الشُّعَرَاءِ.

وَلَقَدْ كَانَ ثَابِتُ بن قَيْسٍ مُؤْمِنًا عَمِيقَ الإِيمَانِ تَقِيًّا صَادِقَ التَّقْوَى، شَدِيدَ الْخَشْيَةِ مِنْ رَبِّهِ، عَظِيمَ الْحَذَرِ مِنْ كُلِّ مَا يُغْضِبُ اللهَ جَلَّ وَعَزَّ.

فلقد رآه رسولُ الله ? ذاتَ يومٍ هَلِعًا جَزِعًا ترتعِدَ فرائصُهُ خوفًا وخشية.

فقال: ((ما بكَ يا أبا محمد)) ؟!

فقال: أخْشَى أنْ أكونَ قَدْ هَلكتُ يا رسول الله ...

قال: ((وَلِمَ)) ؟!

قال: لقد نهانا الله جَلَّ وَعَزَّ عن أَنْ نُحِبَّ أَنْ نُحْمَدَ بِمَا لَمْ نَفْعَلْ، وَأَجِدُني أحبُّ الْحَمْدَ ... ونهانا عن الْخُيلاءِ وأجِدُني أحبُّ الزَّهْوَ.

فَمَا زَالَ الرَّسُولُ صَلَواتُ الله وَسَلامُه عَلَيْهُ يُهدِّئ مِنْ رَوْعِه حَتَّى قَالَ: ((يَا ثَابِتُ، أَلا تَرْضَى أَنْ تَعِيشَ حَمِيدًا ...

وَتُقْتَلَ شَهِيدًا ...

وَتَدْخُلَ الْجَنَّة)) ... ؟

فَأَشْرَقَ وَجْهُ ثَابِتٍ بِهَذِهِ الْبُشْرَى وَقَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ الله ... بَلَى يَا رَسُولَ الله.

فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: ((إِنَّ لَكَ ذَلِكَ)) .

<<  <  ج: ص:  >  >>