وَلَقَدْ كَانَتْ الرِّيحُ وَالدَّوْلَةُ فِي جُلِّ الْمَعَارِكِ لِمُسَيْلَمَةَ وَرِجَالِهِ عَلَى جُيُوشِ الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى بَلَغَ بِهِمْ الأَمْرُ أَن اقْتَحَمُوا فُسْطَاطَ خَالِد بن الْوَلِيدِ، وَهَمُّوا بِقَتْلِ زَوْجَتِهِ أُمُّ تَمِيمٍ، وَقَطَعُوا حِبَالَ الْفِسْطَاطِ وَمَزَّقُوه شَرَّ مُمَزِّقٍ.
فَرَأَى ثَابِتُ بنُ قَيْسٍ يَوْمَذَاكَ مَنْ تَضَعْضُعِ الْمُسْلِمِينَ مَا شَحَنَ قَلْبَهُ أَسَىً وَكَمَدًا وَسَمِعَ مِنْ تَنَابُزِهِمْ مَا مَلأَ صَدْرَهُ هَمًّا وَغَمًّا ...
فَأَبْنَاءُ الْمُدُنِ يَرْمُونَ أَهْلَ الْبَوَادِي بِالْجُبْنِ، وَأَهْلِ الْبَوَادِي يَصفُونَ أَبْنَاءَ الْمُدُنِ بِأَنَّهُمْ لا يُحْسِنُونَ الْقِتَالَ وَلا يَدْرون مَا الْحَرْبُ ... عِنْدَ ذَلِكَ تَحنَّط ثَابِتٌ وتكفَّنَ وَوَقَفَ عَلَى رؤوسِ الأَشْهَادِ.
وَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، مَا هَكَذَا كُنَّا نُقَاتِلُ مَعَ رَسُولِ الله ?. بِئْسَ مَا عَوَّدَتم أَعْدَاءَكُم مِنْ الْجُرْأَةِ عَلَيْكُمْ ...
وَبِئْسَ مَا عَوَّدْتُمْ أَنْفُسَكُمْ مِنْ الانْخِذَالِ لَهُم ...
ثُمَّ رَفَعَ طَرْفَهُ إِلى السَّمَاءِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأَ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ هُؤَلاءِ مِن الشِّرْكِ (يَعْنِي مُسَيْلَمَةَ وَقَوْمَه) . وَأَبْرَأَ إِلَيْكَ مِمَّا يَصْنَعُ هَؤُلاءِ (يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ) .
ثُمَّ هَبَّ هَبَّة الأَسَدِ الضَّارِي كَتِفًا لِكَتِفٍ مَع الْغُرِّ الميامين: الْبراءِ بن مَالِكٌ الأَنْصَارِي، وَزَيْدِ بن الْخَطَّابِ أَخِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذََيْفَة، وَغَيْرِهم وَغَيْرِهم مِنْ الْمُؤْمِنِينَ السَّابِقِين ... وَأَبْلَى بَلاءً عَظِيمًا مَلأَ قُلُوبَ الْمُسْلِمِينَ حَمِيَّةً وَعَزْمًا، وَشحَنَ أَفْئِدَةِ الْمُشْرِكِينَ وَهْنًا وَرُعْبًا.
وَمَا زَال يُجَالِدُ فِي كُلِّ اتِّجَاهٍ وَيُضَارِبُ بِكُلِّ سِلاحٍ حَتَّى أَثْخَنَتْه الْجِرَاحَ فَخَرَّ صَرِيعًا عَلَى أَرْضِ الْمَعْرَكَةِ قَرِيرَ الْعَيْنِ بِمَا كَتَبَ الله لَهُ مِنْ الشَّهَادَةِ الَّتِي بَشَّرَ بِهَا حَبِيبُه رَسُولُ اللهِ ?، مَثْلُوجَ الصَّدْرِ بِمَا حَقَّقَ الله على يَدَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute