.. سُبْلَ الْمَمَاتِ فَأَضْحَوا عِبْرَةَ الْفِطَنِ
تِلْكَ الْقُبُورُ وَقَدْ صَارُوا بِهَا رِمَمًا
بَعْدَ الضَّخَامَةِ في الأَجْسَامِ وَالسِّمَنِ
بَعْدَ التَّشَهِّي وَأَكْلِ الطَّيِّبَاتِ غَدَا
يَأْكُلْهُمْ الدُّودُ تَحْتَ التُّرْبِ وَاللَّبِنِ
تَغَيَّرَتْ مِنْهُمْ الأَلْوَانُ وَانْمَحَقَتْ
مَحَاسِنُ الْوَجْهِ وَالْعَيْنَيْنِ وَالْوُجَنِ
خَلَتْ مَسَاكِنَهُمْ عَنْهُمْ وَأَسْلَمَهُمْ
مَنْ كَانَ يَنْصُرُهُمْ في السِّرِّ وَالْعَلَنِ
وَعَافَهُم كُلُّ مَنْ قَدْ كَانَ يَأْلَفُهم
مِنْ الأَقَارِبِ وَالأَهْلِينَ وَالْخِدَنِ
مَا كَانَ حَظُّهُمْ مِنْ عَرْضِ مَا اكْتَسَبُوا
غَيْرَ الْحَنُوطِ وَغَيْرَ الْقُطْنِ وَالْكَفَنِ
تِلْكَ الْقُصُورُ وَتِلْكَ الدُّورُ خَاوِيَةٌ
يَصِيحُ فِيهَا غُرَابُ الْبَيْنِ بِالْوَهَنِ
فَلَوْ مَرَرْتَ بِهَا وَالْبُومُ يَنْدُبُهَا
فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ لَمْ تَلْتَذَّ بِالْوَسَنِ
وَلا تَجَمَّلْتَ بِالأَرْيَاشِ مُفْتَخِرًا
وَلا افْتَتَنْتَ بِحُبِّ الأَهْلِ وَالسَّكَنِ
وَلا تَلَذَّذْتَ بِالْمَطعُومِ مُنْهَمِكَا
وَلا سَعِيت لِدُنْيَا سَعَيَ مُفْتَتَنِ