الْمُسْلِمُونَ الأَوَّلُونَ فَصَبَرا عَلَى الأَذَى لأَنَّهُمَا كَانَ يَعْلَمَانِ أَنَّ طَرِيقَ الْجَنَّةِ مَفْرُوشٌ بِالأَشْوَاكِ مَحْفُوفٌ بِالْمَكَارِهِ.
وَلَكِنْ الذِي كَانَ يَنْغِّصُهُمَا وَيُنَغِّصُ عَلَى إِخْوَانِهِمَا فِي اللهِ أَنَّ قُرَيْشاً كَانَتْ تَحُولُ دُونَهُمْ وَدُونَ شَعَائِرِ الإسْلامِ وَتَحْرِمُهم مِنْ أَنْ يَتَذَوَّقُوا لَذَّة الْعِبَادَةِ فَقَدْ كَانَتْ تَقِفُ لَهُمْ فِي كُلِّ مَرْصَدٍ.
عِنْدَ ذَلِكَ اسْتَأْذَنَ جَعْفَرُ بن أَبِي طَالِبٍ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَأَنْ يُهَاجِرَ مَعَ زَوْجَتِهِ وَنَفَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ إِلى أَرْضِ الْحَبَشَةِ فَأَذِنَ لَهُمْ وَهُوَ حَزِينٌ فَقَدْ كَانَ يَعِزُّ عَلَيْهِ أَنْ يُرْغَمَ هَؤُلاءِ الأَطْهَارِ عَلَى مُفَارَقَةِ دِيَارِهِمْ وَمُبَارَحَةِ مَرَاتِعِ طَفَولِتِهِمْ وَدِيَارِهِمْ دُونَ ذَنْبٍ جَنُوهُ إِلا أَنَّهُمْ قَالُوا: رَبُّنَا اللهُ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ يَمْلِكْ مِنْ الْقُوَّةُ مَا يَدْفَعُ بِهِ أَذَى قُرَيْشٍ.
مَضَى رَكْبُ الْمُهَاجِرِينَ إِلى أَرْضِ الْحَبَشِةِ وَعَلى رَأْسِهِمْ جَعْفَرُ بن أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَاسْتَقَرُّوا عِنْدَ النَّجَاشِيّ الْمَلِكِ الصَّالِحِ فَتَذَوَّقُوا مِنْذُ أَسْلَمُوا طَعْمَ الأَمْنِ وَاسْتَمْتَعُوا بِحَلاوَةِ الْعِبَادَةِ دُونَ أَنْ يُكَدِّرَ عَلَيْهِمْ مُكَدِّرٌ.
لَكِنْ قُرَيْشٌ مَا كَادَتْ تَعْلَمُ بِرَحِيلِ هَذَا النَّفَرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إِلى أَرْضِ الْحَبَشِة وَتَقَف عَلَى مَا نَالُوهُ فِي حِمَى مَلِيكِهَا مِنْ الطَّمَأْنِينَةِ عَلَى دِينِهِمْ، وَالأَمْنِ عَلَى عَقِيدَتِهِمْ، حَتَّى جَعَلَتْ تَأْتَمِرُ بِهِمْ.
قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: لَمَّا نَزَلْنَا أَرْضَ الْحَبَشَةِ لَقِينَا فِيهَا خَيْرَ جِوَارٍ فَأمِنَّا عَلَى دِينَنَا وَعَبَدْنَا اللهَ تَعَالى مِنْ غَيْرِ أَنْ نُؤْذَى.
فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشٌ ائْتَمَرَتْ بِنَا فَأَرْسَلَتْ إِلى النَّجَاشِيّ رَجُلَيْنِ جَلْدَيْنِ منْ رِجَالِهَا أَحَدُهُمَا عَمْرُو بنِ الْعَاص وَالثَّانِي عَبْدُ اللهِ بن أَبِي رَبِيعَةَ وَبَعَثَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute