لأَقُولَنَّ لَهُ إِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ عِيسَى بن مَرْيمَ عَبْدٌ.
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ دَخَلَ عَمْرُو عَلَى النَّجَاشِيّ وَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنَّ هَؤُلاءِ الذِينَ آوَيْتَهُمْ وَحَمْيَتَهُمْ يَقُولُونَ فِي عِيسَى بن مَرْيَمَ قَوْلاً عَظِيماً فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ وَسَلْهُمْ عَمَّا يَقُولُونَهُ فِيهِ.
قَالَتْ أُمُّ سَلَمَة: فَلَّما عَرفنَا ذَلِكَ نَزَلَ بِنَا مِنْ الْهَمِّ وَالْغَمِّ مَا لَمْ نَتَعَرَّضْ لِمِثْلِهِ وَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى ابن مَرْيَم إِذَا سَأَلَكُمْ عَنْهُ.
فَقُلْنَا: وَاللهِ لا نَقُولُ فِيهِ إِلا مَا قَالَ اللهُ وَلا نَخْرُجُ فِي أَمْرِهْ قَيْدَ أَنْمُلةٍ عَمَّا جَاءَنَا بِهِ نَبِيُّنَا وَلْيَكُنْ بِسَبَبِ ذَلِكَ مَا يَكُونُ.
ثُمَّ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنْ يَتَوَلى الْكَلامَ عَنَّا جَعْفَرُ بنُ أَبِي طَالِب فَلَمَّا دَعَانَا النَّجَاشِيّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ فَوَجَدْنَا عِنْدَهُ بَطَارِقَتَه عَلَى الْهَيْئةِ الِّتِي رَأَيْنَاهُمْ عَلَيْهَا مِنْ قَبْلُ.
وَوَجَدْنَا عِنْدَهُ عَمْرَو بنَ الْعَاصِ وَصَاحِبَهُ فَلَمَّا صِرْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ بَادَرَنَا بِقَوْلِهِ: مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى بن مَرْيَمَ؟ فَقَالَ لَهُ جَعْفَرُ بن أَبي طَالِبٍ: إِنَّمَا نَقُولُ مَا جَاءِ بِهِ نَبِينا فَقَالَ النَّجَاشِيّ: وَمَا الذِي يَقُولُ فِيهِ؟
فَأَجَابَهُ جَعْفَرُ يَقُولُ عَنْهُ: «إِنَّهُ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولِهِ وَرُوحُهُ وَكَلِمَتُهُ الَّتِي أَلْقَاهَا إِلى مَرْيَمْ الْعَذْرَاءَ الْبَتُولَ» . فَلَمَّا سَمِعَ النَّجَاشِيّ قَوْلَ جَعْفَرٍ ضَرَبَ بِيَدِهِ الأَرْضَ وَقَالَ: وَالله مَا خَرَجَ عِيسَى بن مَرْيَمَ عَمَّا جَاءَ بِهِ نَبِيَّكُمْ مِقْدَارَ شَعْرَةٍ.
فَتَنَاخَرَتْ الْبَطَارِقَةُ مِنْ حَوْلِ النَّجَاشِيّ اسْتِنْكَاراً لِمَا سَمِعُوا مِنْهُ فَقَالَ: وَإِنْ نَخَرْتُمْ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا وَقَال: اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ آمِنُونَ، مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ وَمَنْ تَعَرَّضَ لَكُمْ عُوقِبَ وَوَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ لِي جَبَلٌ مِنْ ذَهَبٍ وَأَنْ يُصَابَ أَحَدٌ مِنْكُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute