للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَفَاتِيحِ ذَلِكَ الْحِصْنِ فَقَدْ كَانَ مَظْهَرُ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذِهِ الْعُمْرَةِ وَهُمْ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَفِي ائْتِلافِهِمْ وَتَضَامُنِهم وَفِي حُسْنِ انْقِيَادِهِمْ وَدِقَّةِ نِظَامِهِمْ وَفِي صِدْقِ مَحَبَّتِهِمْ وَإِخْلاصِهِمْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي عَظِيمِ حَمَاسَتِهِمْ لِدِينِهم وَشِدَّةِ تَمَسُّكِهِمْ بِآدَابِهِ وَفِي بَالِغِ تَقْدِيسِهِمْ لِلْبَيْتِ وَتَعْظِيمِ حُرُمَاتِهِ وَفِي كُلِّ مَا كَانُوا يُؤدُّونهُ مِنْ شَعَائِرِ هَذِهِ الْعُمْرَةِ وَهُمْ فِي هَذِهِ الْحَمَاسَةِ وَهَذِهِ الأَلْفَةِ وَهَذَا النِّظَامِ وَهَذَا التَّرَفُّع عَنْ كُلِّ مَا يَشِينُ أَخْلاقَ الرِّجَالِ كَانَ مَظْهَرُ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ هَذَا مَظْهَراً هَزَّ نُفُوسَ أَهْلِ مَكَّةِ هَزّاً عَنِيفاً وَلَمَسَ مَكَانَ الْعَقِيدَةِ مِنْ قُلُوبِهِمْ فَزَلْزَلَهَا زِلْزَالاً شَدِيداً فَأَخَذُوا يَنْظُرُونَ إِلى الْمُسْلِمِينَ نَظْرَةَ الإِعْجَابِ وَالإِكْبَارِ وَالإِعْظَامِ وَيَنْظُرُونَ إِلى الإِسْلامِ نَظْرَةَ التَّفْكِيرِ وَالتَّأَمُّلِ وَالتَّدَبُّرِ وَالتَّفَهُّمْ وَجَعَلُوا يُقَارِنُونَ بَيْنَ هَذَا الدِّينِ الْقَوِيمِ وَمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ دِين وَعَقِيدَةٍ وَمِنْ تَقَالِيدَ لا يَقْبَلُهَا عَقْلٌ سَلِيمٌ ولا يُقِرُّهَا مَنْطِقٌ وَيُوَازِنُونَ بَيْنَ هَذِهِ الشَّعَائِر الَّتِي يُؤَدِّيهَا الْمُسْلِمُونَ فِي خُشُوعٍ وَانْسِجَامٍ وَخُضُوعٍ وَاطْمِئْنَانٍ وَبَيْنَ مَا يَفْعَلُونَ هُمْ فِي عِبَادَتِهِمْ مِنْ لَغْوٍ وَلَهْوٍ وَلَعِبٍ وَبَاطِلٍ وَمَا يَقُومُونَ بِهِ عِنْدَ بَيْتِ اللهِ مِنْ مُكَاءٍ وَتَصْدِيَةٍ - أَي صَفِيرٍ وَتَصْفِيقٍ -.

نَعَمْ أَخَذُوا يَنْظُرُونَ وَيَتَفَكَّرُونَ فَوَجَدُوا فَرْقاً شَاسِعاً، وَبَوْناً بَعِيداً بَيْنَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الضَّلالِ وَمَا عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ وَأَتْبَاعُهُ مِنْ النُّورِ فَلانَتْ قُلُوبُهُمْ لِلإِسْلامِ.

وَصَغَتْ إِلَيْهِ أَفْئِدَتُهم فَأَسْلَمَ مِنْهُمْ مَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَجْهَرَ بِإسْلامِهِ. وَأَسَرَّ الإِسْلامَ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إِظْهَارِه، وَتَهَيَّأَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ لأَنْ يُسْلِمُوا لَوْلا بَعْضُ الْمَوَانِع الَّتِي قَدَّرَهَا اللهُ فَكَانَتْ هَذِهِ الزَّلْزَلَةُ الَّتِي أُصِيبَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>