فَأَقْبَلْ الْحَاجِبُ علَىَ طَاوُوسِ وَقَالَ: أَجِبْ دَعْوَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَيُّهَا الشَّيْخُ فَاسْتَجَابَ طَاوُوسٌ لَهُ مِنْ غَيْرِ إِبْطَاء.
ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يُؤْمِنُ بَأَنَّ عَلَى الدُّعَاةِ إِلى الله تَعَالى أَلا تَعْرِضَ لَهُمْ فُرْصَةٌ إِلا اغْتَنَمُوهَا ... وَأَلا تَسَنْحَ لَهُمْ بَادِرَةٌ إِلا ابْتَدَرُوهَا.
وَكَانَ يُوقِنُ أَنَّ أَفْضَلَ كَلِمَةٍ تُقَالُ هِيَ كَلَمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا تَقْوِيمُ اعْوِجَاجِ ذَوِي السُّلْطَانِ ... وَتَجْنيبُهُمْ الْحَيْفَ وَالْجُور ... وَتَقَرِيبُهُمْ مِنْ الله تعالى ...
مَضَى طَاوُوسٌ مَعَ الْحَاجِبِ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ حَيَّاهُ فَرَدَّ الْخَلِيفَةُ التَّحِيَّةَ بِأَحْسَنَ مِنْهَا ... وَأَكْرَمَ اسْتِقْبَالَ زَائِرِه، وَأَدْنَى مَجْلِسَهُ ثُمَّ أَخَذَ عَمَّا أَشْكَلَ عَلَيْهِ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ، وَيَنْصِتُ إِلَيْه فِي تَوْقِيرٍ وَإِجْلال.
قَالَ طَاوُوس: فَلَمَّا شَعَرْتُ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ بَلَغَ بُغَيْتَهِ وَلَمْ يَبْقَ لَدَيْهِ مَا يَسْأَلُ عَنْهُ قُلْتُ فِي نَفْسِي: إِنَّ هَذَا الْمُجْلِسَ لِمَجْلِسٌ يَسْأَلُكَ اللهَ عَنْهُ يَا طَاوُوس.. ثُمَّ تَوَجَّهْتُ إِلَيْهِ وَقُلْتُ:
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ صَخْرَةً كَانَتْ عَلَى شَفِيرِ بِئْرٍ فِي قَعْرِ جَهَنَّم ...
وَقَدْ ظَلَّتْ تَهْوِي فِي هَذِهِ الْبِئْرِ سَبْعِينَ خَرِيفاً حَتَّى بَلَغَتْ قَرَارَهَا.
أَتَدْرِي لِمَنْ أَعَدَّ الله هَذِهِ الْبِئْرَ مِنْ آبَارِ جَهَنَّمَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمَنِينَ؟
فَقَالَ: مِنْ غَيْرِ رَوِيَّةٍ: لا.
ثُمَّ عَادَ إِلى نَفْسِهِ وَقَالَ:
وَيْلَكَ لِمَنْ أَعَدَّهَا؟!
فَقَالَ: أَعَدَّهَا اللهَ جَلَّ وَعَزَّ لِمَنْ أَشْرَكَهُ فِي حُكْمِهِ فَجَارَ ...
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute