للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَا قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِى إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ» . وَأَولُ مَا يَسْرِي الكذِبُ مِنْ النَّفْسِ إِلى اللِّسَانِ فَيُفْسِدُهُ ثُمِّ يَسْرِي إلى الجَوَارِحِ فَيُفْسِدُ عَلَيْهَا أَعْمَالَهَا كَمَا أَفْسَدَ عَلَى اللسَانِ أَقْوَالِهِ فَيَعُمُّ الكَذِبَ أَقْوَالَهُ وأعْمَالَهُ وَأَحْوَالَهُ فَيَسْتَحْكِمُ عَلَيْهِ الفَسَادُ وَيَتَرَامَى دَاؤهُ إلى الهُلَكَةِ إنْ لَمْ يَتَدَارَكْهُ اللهُ بِدَوَاءِ الصِّدْقِ بِقَلْعِ تِلْكَ الْمَادَّةِ مِنْ أَصْلِهَا.

وَلِهَذَا كَانَ أَصْلُ أَعْمَالِ القُلُوبِ كُلِّهَا الصِّدْقَ وَأَضْدَادُهَا مِنْ الرِّيَاءِ وَالعُجْبِ وَالكِبُرِ وَالفَخْرِ والخُيلاءِ وَالبَطَرِ وَالأشَر والعَجْزِ وَالكَسَلَ وَالجُبْنِ وَالْمَهَانَةِ وَغَيْرِهَا أَصْلُهَا الكَذِبُ فَكُلُّ عَمَلٍ صَالِحٍ ظَاهِرٌ أَوْ بَاطِنٌ فَمَنْشَؤُهُ الصِّدْقُ وَكُلُّ عَمَلٍ فَاسِدٍ ظَاهِرٍ أَوْ بَاطِنٍ فَمَنْشَؤُوهُ الكَذِبُ، وَاللهُ تَعَالى يُعَاقِبُ الكَذَّابَ بَأَنْ يُقْعِدَهُ وَيُثَبِّطَهُ عَنْ مَصَالِحِهِ وَمَنَافِعِهِ وَيُثِيبُ الصَّادِقَ بَأَنْ يُوَفِّقَهُ لِلْقِيَامِ بِمَصَالِحِ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ.

وكان الصدق في صدر الإسلام أساسًا في القول والعمل والمعاملة، وخصوصًا فيما يتعلق بالدين وحفظ الحديث.

فقد وُرِثَتْ عن العُلماء الأوائل عُلومُ الدين مَضْبُوطة كامِلَةً كَمَا أُنزِلَت على رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وحَدَّث عنها.

وكان عُلماءُ الدين وجامِعُوا أَحَادِيثِ النبي - صلى الله عليه وسلم - يَتَحرونَ صِدقَ الُمَحِّدِث بِشَكْلٍ عَجِيبٍ.

يَدْرُسُونَ حَيَاتَه وَيَتَحقَّقونَ مِنْ أَقواله وأَعماله وأنه يأكل مِنْ كسْب يَدِهِ وَلَمْ يَدخل على سلطان في صُحْبَةٍ أَوْ وَظِيفَةٍ.

وَأنه يُطبّقُ تَعَالِيمَ الدِّينِ كَاملةً ولم تُعْهَدْ عليه كِذْبَة في حَيَاته. فعندها يُؤْخَذُ عنه الحديث النبوي.

<<  <  ج: ص:  >  >>