فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ عُمَرُ؛ فَقَالَ: «مَا جَاءَ بِكَ يَا عُمَرُ» ؟ قَالَ: الْجُوعُ يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَالَ النَّبِيُّ ?: «وَأَنَا قَدْ وَجَدْتُ بَعْضَ ذَلِكَ» . فَانْطَلَقُوا إِلَى مَنْزِلِ أَبِى الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيِّهَانِ الأَنْصَارِىِّ - وَكَانَ رَجُلاً كَثِيرَ النَّخْلِ والشَّجَرِ وَالشَّاءِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ خَدَمٌ - فَلَمْ يَجِدُوهُ.
فَقَالُوا لاِمْرَأَتِهِ أَيْنَ صَاحِبُكِ؟ فَقَالَتِ: انْطَلَقَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا الْمَاءَ، فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ جَاءَ أَبُو الْهَيْثَمِ بِقِرْبَةٍ يَزْعَبُهَا، فَوَضَعَهَا ثُمَّ جَاءَ يَلْتَزِمُ النَّبِيَّ ? وَيُفَدِّيهِ بِأَبِيهِ وَأُمِّهِ.
ثُمَّ انْطَلَقَ بِهِمْ إِلَى حَدِيقَتِهِ، فَبَسَطَ لَهُمْ بِسَاطاً، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى نَخْلَةٍ فَجَاءَ بِقِنْوٍ، فَوَضَعَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ?: «أَفَلاَ تَنَقيْتَ لَنَا مِنْ رُطَبِهِ» . فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أَرَدْتُ أَنْ تَخْتَارُوا - أَوْ قَالَ تَخَيَّرُوا - مِنْ رُطَبِهِ وَبُسْرِهِ.
فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ?: «وَالَّذِي نَفْسِي بَيّدِهِ مِنَ هَذا النَّعِيمِ الَّذِي تُسْأَلُونَ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: ظِلٌّ بَارِدٌ طَيِّبٌ، وَمَاءٌ بَارِدٌ» . فَانْطَلَقَ أَبُو الْهَيْثَمِ ِيَصْنَعَ لَهُمْ طَعَاماً فَقَالَ النَّبيُّ ?: «لاَ تَذْبَحَنَّ لنا ذَاتَ دَرٍّ» . فَذَبَحَ لَهُمْ عَنَاقاً - أَوْ جَدْياً - فَأَتَاهُمْ بِهَا فَأَكَلُوا.
فَقَالَ النَّبِيُّ ? «هَلْ لَكَ خَادِمٌ؟» . قَالَ: لاَ، قَالَ: «فَإِذَا أَتَانَا سَبْيٌ فَائْتِنَا» . فَأُتِيَ النَّبِيُّ ? بِرَأْسَيْنِ لَيْسَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ، فَأَتَاهُ أَبُو الْهَيْثَمِ، فَقَالَ النَّبيُّ ?: «اخْتَرْ مِنْهُمَا» . فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ اخْتَرْ لِي. فَقَالَ النَّبِيُّ ?: «إِنَّ الْمُسْتَشَارَ مُؤْتَمَنٌ، خُذْ هَذَا، فَإِنِّي رَأَيْتُهُ يُصَلِّى، وَاسْتَوْصِ بِهِ مَعْرُوفاً» . فَانْطَلَقَ أَبُو الْهَيْثَمِ إِلَى امْرَأَتِهِ: فَأَخْبَرَهَا بِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ ?.
فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: مَا أَنْتَ بِبَالِغٍ مَا قَالَ فِيهِ النَّبِيُّ ? إِلاَّ أَنْ تَعْتِقَهُ، قَالَ: فَهُوَ عَتِيقٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ ?: «إِنَّ اللهَ تعالى لَمْ يَبْعَثْ نَبِيّاً وَلاَ خَلِيفَةً إِلا وَلَهُ بِطَانَتَانِ بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَاهُ عَنِ الْمُنْكَرِ وَبِطَانَةٌ لاَ تَأْلُوهُ خَبَالاً وَمَنْ يُوقَ بِطَانَةَ السُّوءِ فَقَدْ وُقِيَ» . والله أعلم وصلى الله على مُحَمَّد وأله وسلم.
اللهُمَّ إنا نسألك رحمة من عندك تهدي بها قلوبنا، وتجمع بها شملنا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute