للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالهَمُ والغَمُ والحسرةُ والحزنُ تعمل في نفوسهم نظير ما تعمل الهوام والديدان في أبدانهم، بل عَمَلُها في النفوس دائم مستمر حتى يردها الله إلى أجسادها، فحينئذٍ ينتقل العذاب إلى نوع هو أدهى وأمر.

فأين هذا مِن نعيم مَنْ يرقص قلبه طربًا وفرحًا وأُنسًا بربه، واشتياقًا وارتياحًا بحبه وطمأنينة بذكره؟ حتى يقول بعضهم في حال نزعه: وأطرباه. ويقول الآخر: إن كان أهل الجنة في مثل هذا الحال إِنهم لفي عَيْشٍ طيب.

وقال الآخر: مَسَاكينُ أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا لَذيذَ العيشِ فيها وما ذاقوا أَطْيَبَ ما فيها. ويقول الآخر: لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف.

ويقول الآخر: إِنَّ في الدنيا جنة مَن لم يدخلها لم يدخل جنة الآخر. فيا مَن باع حظه الغالي بأبخس الثمن، وغبن كُلَّ الغبنِ في هذا العقد وهو يرى أنه قد غَبَنَ، إذا لم تكن لك خبرة بقيمة السلعة فاسأل المقومين.

فيا عجبًا مِن بِضَاعَةٍ مَعَكَ اللهُ مُشْتَرِيها، وثَمَنُها جَنَّةُ المأْوىَ، والسفيرُ الذي جرى على يده عقد التبايع وضمن الثمن عن المشتري هو الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقد بِعْتَهَا بغايةِ الهوان!! .

هَل الدُّنْيَا وما فيهَا جَمِيعًا ... سِوَى ظِلٍّ يَزُولُ مَعَ النَّهَارِ

تَفَكَّر أَيْنَ أَصْحَابُ السَّرَايَا ... وَأَرْبَابُ الصَّوافِنِ والعِشَارِ

وَأَيْنَ الأَعْظَمُونَ يَدًا وَبَأْسًا ... وَأَيْنَ السَّابِقُونَ لِذِي الفِخَارِ

وَأَيْنَ القَرْنُ بَعْدِ القَرْنِ مِنهُمْ ... مِنْ الخُلَفَاء والشُمِ الكِبَارِ

كأَنْ لَمْ يُخْلَقُوا أَوْ لَمْ يَكُونُوا ... وهَلْ أَحَدٌ يُصَانُ مِنَ البَوارِ

واللهُ أَعْلَمْ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.

<<  <  ج: ص:  >  >>