للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَافِرِ باللهِ وَمَا أكْثَرَهم في هذا الزَمَنِ الْمُحَكِّمِينَ لِلْقَوَانِينِ الوَضْعِيَّةِ وَالأَنْظِمَةِ الْحَالِيَّةِ.

قَالَ اللهُ تَعَالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} وَهَذَا عَامٌ شَامِلٌ فَمَا مِنْ قَضِيَّةٍ إِلا وَللهِ فِيهَا حُكْم، قَالَ اللهُ تَعَالى: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} وَقَالَ تَعَالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} فَهَذِه الآيةُ الْجَلِيلَةُ القَدْرِ عَظِيمَةُ الموقِعْ كَبِيرَةُ الفَائِدَةِ حَسَنَةُ الْمَغْزَى اخْتَارَهَا الرَّبُّ سَبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِيَخْتِمَ بِهَا كِتَابَهُ الكَرِيمَ وَوَحْيَهُ المعْجِزَ وَأَحْكَامَ شَرِيعَتِهِ السَّمْحَةِ وَدِينَهُ الْحَنِيفْ.

وَمِنْ مَزَايَا هَذِهِ الآيةِ الكَرِيمَةِ التِي انْفَرَدَتْ بِهَا عَمَّا بَقِيَ مِنْ السِّورُ والآياتِ أَنَّ الله أَكْمَلَ بِهَا الدِّينَ بِمَعْرِفَةِ الأَحْكَامِ الشَّرعِيَةِ مِنْ الفَرَائِض وَالسُّنَنِ وَالحُدُودِ وَالأحكامِ وَالحلالِ وَالحرامِ وَلَمْ يَنْزِلُ بَعْدَهَا حَلالٌ وَلا حَرَامٌ وَلا شَيْءٌ مِنَ الفَرَائِض وَأَتمّ بِهَا النّعمَةُ على عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِهِدَايَتِهِمْ لأَحْكَامِهِ وَتَوْفِيقِهِم لِمَعْرِفَةِ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَحَلالِهِ وَحَرَامِهِ وَإنجازِهِ سُبْحَانَهُ مَا وَعَدَهُمْ بِهِ فِي قَوْلِهِ: {وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ} .

فَكَانَ مِنْ تَمَامِ نِعْمَتِهِ أَنْ دَخَلُوا مَكَّةَ آمِنِينَ مُطْمَئِنِينَ لَمْ يُخَالِطُهُمْ أَحَدٌ مِن المشْرِكِينَ وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ اخْتَارِ لِهَذِهِ الأُمَّةَ دِينِ الإِسْلامِ وَمِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ عَنْ الأَدْيَانِ كُلِّهَا بَيَانًا لِشَرَفِ هَذَا الدِّينِ وَاعْتِنَاءِ بِأَمَّةِ مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - وَحَسْبُنَا مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ} ، وَقَوْلُهُ تَعَالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} .

وَهَذَا مَا دَعَا كَعْبُ الأحبارُ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ وَكَانَ مَعَهُ نَفَرٌ مِنْ اليهودِ أَنْ يَقُولَ لِخَلِيفَةِ الْمُسْلِمِينَ عُمُرَ بنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: يَا أَمِيرَ المؤمنينَ آيةٌ في كِتَابِكم تَقْرءُونَهَا لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ اليهودِ نَزَلَتْ لاتَّخَذْنَاهَا عِيَا وَأَقْمَنَا لَهَا مُحْتَفَلاً في كُلِّ عَامِ نُجَدِّدُ ذِكْرَاهَا وَنَتَدَارَسُ فَضَائِلَهَا الكثيرةِ وَذِكْرَيَاتِهَا العَطِرَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>