للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِقَاءُ الناسِ لَيْسَ يُفِيدُ شَيئًا ... سِوَى الهَذَايانِ مِن قِيل وقَال

فَاقْلِلْ مِنْ لِقَاءِ الناسِ إِلا ... لأَخْذِ العِلْمِ أَوْ إِصْلاحِ حَالِ

وهكذا كان السلف لا يَتَلاقَون إلا لله ويحترزون في جميع أعمالهم وأقوالهم حتى كيف أصبحتَ وكيفَ أمسيتَ وكيفَ حَالُكَ وفي الجواب عن ذلك.

فقد قال حاتمُ الأَصَمُ لِحَامِدُ اللَّفَافِ: كَيفَ أَنْتَ في نَفْسِكَ؟ فقال: بسلامَةٍ وعَافِية. فَكَرِهَ حَاتمُ جَوابَهُ وقال: يا حَامِدُ السلامةُ مِن وَرَاءِ الصِّرَاطِ، والعافية في الجَنة.

وكان إذا قَيلَ لِعيسَى عليه السلام: كَيفَ أصبحَت؟ يَقُولُ: أَصْبَحْتُ لا أَمْلِكُ تقدَيمَ ما أَرْجُوا ولا أسْتطيعُ دَفْعَ ما أُحَاذِرُ وأَصْبَحتُ مُرْتَهنًا بعَمَلِي والخَيْرُ كلهُ في يَدِ غيري ولا فقيرَ أفقَر مِني (أيْ إلى الله عَزَّ وَجَل صَاحبُ الخير والغِنى) .

وكان الربيعُ بنُ خيثم إذا قِيل لَهُ: كَيفَ أَصبحتَ؟ قال: ضَعِيفًا مُذْنِبًا أَسْتَوفي رزْقِي وأنتظُر أَجَلي. وقِيلَ لأُوَيْس القَرْنِي: كَيْفَ أَصْبَحَتَ؟ قال: كَيفَ يُصِحُ رَجُلٌ إذا أمْسَى لا يدْرِي أنه يُصْبِحُ، وَإِذَا أَصْبَحَ لا يَدْري أَنَّهُ يمُسِي.

وهكذا كانَ سَلَفُنا الصالحُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم ومع هذا فقد كانوا دائمًا يَسْأَلُونَ اللهَ العَونَ والنَّصْرَ والرُشْدَ والتَّوفِيقَ لِمَا يُحُبِهُ وَيَرضَاه.

شِعْرًا:

إِذَا لَمْ يُعنكَ اللهُ فِيمَا تُرِيدُهُ ... فَلَيْسَ لِمَخْلُوق إِليهِ سَبِيلُ

وَإِنْ هُوَ لم يَنْصُرْكَ لم تَلْقَ نَاصِرًِا ... وإِنْ عَزَّ أنْصَارٌ وجَلَّ قَبِيلُ

وإِنْ هُو لَمْ يُرْشِدْكَ في كُلِّ مَسْلَكٍ ... ضَلَلْتَ وَلَو أنَّ السِّمَاكَ دَلْيلُ

قال بَعْضُ العُلمَاء: أَعْظَمُ المعاقَبةِ أَنْ لا يُحِسَّ المعاقَبُ بالعقوبة، وأشَدُ مِن ذلك أَنْ يَقَعَ السرورُ بما هو عُقُوبة، كالفَرَحِ بالمِالِ الحَرامِ، والتَّمكُّنِ مِن الذُنُوب، ومَن هَذِهِ حَالُه لا يَفُوزُ بطاعَةْ. وقال آخر: الغُمُومُ ثَلاثَةْ: (١) غَمُّ الطَّاعَةْ أَنْ لا تُقْبَلْ، (٢) غَمُّ المَعْصِيةِ أنْ لا تُغْفَر، (٣) غَمُّ المَعْرِفَة أَنْ تُسْلَبْ.

وقال آخِر: إذا عَصَيْتَ الله في مَوْضعِ فلا تفارقَ الموضعَ حَتَّى تعمل فيه

<<  <  ج: ص:  >  >>